الخلـــود
بحث الإنسان الأول عن المعرفة خلال مراحل تطويعه لمصاعب الحياة يقوده بخطوات حثيثة إلى لقاء غير مرغوب فيه بالموت لأن علاقة المعرفة بالموت يحيلنا بعنف على الخطيئة الأصلية التي نقلتها كافة الأديان عن قصة طرد آدم من الفردوس فعرض نفسه ونسله للنسبية الزمنية ، وللموت بعد أن كان مخلداً بالنعيم ، لا يوجد شيء خاف منه الإنسان أعظم من الموت ، هذا الشبح الحقيقي الذي حاولوا الأقدمون الوقوف في وجهه وتحديه ، سعى الإنسان إلى الخلود منذ الأزل ، فحاول أن يحول الحياة في الشكل الروحاني أو الفيزيائي لمدة زمنية غير محدودة ولا يشترط أن تكون أبدية .
إن الخلود الروحي هو ماعُنيت به الأديان والفلسفات المختلفة على مدى تاريخ البشرية وقد ارتبطت بهذه المسألة معان أخلاقية تتعلق بالعقاب والثواب ، وسواء أكانت الدواعي للاعتقاد في خلود النفس وجودية أو أخلاقية ، فلابد أن يتوافر عنصران في معنى هذا الخلود الأول ، هو أن يكون بقاء النفس بعد الموت أبدياً ، وليس لفترة محدودة فقط ، والثاني أن يكون الشخص نفسه بهويته الجوهرية هو الذي يبقى ويخلد ، ولهذا يقول "أمانويل كينت" في تعريفه لخلود النفس "خلود النفس معناه أن يستمر الموجود العاقل وشخصيته استمراراً لا نهائياً" والمقصود بالشخصية هنا الوحدة العقلية الواعية التي تربط معاً سنوات حياة الكائن على الأرض والخلود ، وهو ما معناه استمرار هذا الوعي العقلي إلى أبد الآبدين استمراراً لا متناهياً ، وعلى أن يكون مستوى الوعي هو على الأقل نفس مستوى الوعي في الحياة الدنيا ، وهذا يعني أن "أمانويل كينت" لا يستبعد إمكان نمو هذه الشخصية وهذا الوعي في حياته بعد الموت .
تؤمن بعض المدارس الفلسفية بالقدرة للوصول إلى إنسان خالد لا يموت "جسدياً" حيث كان يعمل بعض العلماء ولا زالوا حول إيجاد سُبل لمنح الإنسان فرصة أطول بالحياة ، لأنه في الوقت الحالي يبلغ متوسط عمر الإنسان ثمانين سنة تقريباً ، لكن ماذا لو تم بالفعل زيادة عمر الإنسان إلى مئات السنين أو آلاف السنين ، هذه التقنية ستفوق تقنية الطائرات والصواريخ .
إن أول ذكر للخلود في قصة النبي آدم مع إبليس حول "شجرة الخلد" التي من يأكل منها يصبح خالداً في القرآن ، يقول الله "فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى" ص : 109 ويسجل لنا الكتاب المقدس عمر النبي آدم بـ 930 سنة وهذا العمر يذكره سفر التكوين فيقول حول ذلك "وَعَاشَ آدَمُ مِئَةً وَثَلاَثِينَ سَنَةً ، وَوَلَدَ وَلَدًا عَلَى شَبَهِهِ كَصُورَتِهِ وَدَعَا اسْمَهُ شِيثًا" 5/3 "وَكَانَتْ أَيَّامُ آدَمَ بَعْدَ مَا وَلَدَ شِيثًا ثَمَانِيَ مِئَةِ سَنَةٍ ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ" 5/4 "فَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ آدَمَ الَّتِي عَاشَهَا تِسْعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَمَاتَ" 5/5 وإذا انتقلنا إلى عمر يارد بن مهللئيل نجد أن عمره قد اقترب من الألف "فكانت كل أيام يارد تسع مئة واثنتين وستين سنة ، ومات" 5/20 ومتو شالح وهو أبن إدريس جد نوح نجد أنه قد عاش 969 سنه "فكانت كل أيام متوشالح تسع مئة وتسعاً وستين سنة ، ومات" 5/27 ومن بين البشر الذين عاشوا حياة طويلة النبي نوح فيذكر سفر التكوين أنه عاش 950 سنه "وَعَاشَ نُوحٌ بَعْدَ الطُّوفَانِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً"9/28 "فَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ نُوحٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً ، وَمَاتَ" 9/29
لكن القرآن يشير إلى أن نوح لبث يدعوا قومه إلى عبادة الله 950 سنة وهي مدة الدعوة فقط ، قال الله " ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون" العنكبوت : 16 .
الخلود في الأساطير
تزود الأساطير الإنسان بذاكرة تاريخية تُعطيه أحساساً بوجود مبرر لحياته وبدون هذه الذاكرة يصبح الإنسان إلى حالة أشبة بالموت ، لأن نسيان الماضي هو نوع من أنواع الموت ، لذلك فالإنسان الذي وجد نفسه في مواجهة الموت ابتكر نسقاً أسطورياً اعتماداً على ملكاته الوجدانية والعقلية واللاشعورية من أجل مواجهة كل الاحتمالات ، وقد تكون الأساطير وقعاً حقيقياً حاول المحدثون إخفاءه وتناسيه والتشكيك في صحته ، في هذا الجانب سنتعرف على أبرز الأساطير التي تناولت أكسير الحياة أو حجر الفلاسفة ، وأيضاً بعض الأساطير المتعلقة بإخفاء الروح التي سنتناول كُلاً منهما بالتفصيل ، ومنها ما قاله باحثون الذين استطاعوا فك شفرات نبوءات نوستراداموس ، الذي تنبأ للعام 2015 اكتشاف إكسير الحياة حيث سُيطيل عمر الإنسان لـ200 سنه ، فما هو أكسير الحياة ؟
إكسير الحياة أو حجر الفلاسفة
لقد كان الناس مولعين منذ العصور القديمة بماء الخلود الذي يُعطي لشاربة الحياة الخالدة ، وتلك النبتة السحرية التي تهب الحياة الخالدة أيضاً ، وعلى أساس ذلك ظهر لنا حجر الفلاسفة أو الإكسير في الحضارات القديمة الذي يُعالج جميع الأمراض ويهب الحياة ويطيل العمر ويستطيع تحويل المعادن العادية إلى ثمينة كالذهب والفضة ، سعى العديد من ممارسي الكيمياء في الصين القديمة والهند وعند العرب والعالم الغربي إلى اكتشافه وتحضيره ، اعتقد البعض أنه له خاصية سائلة وكان أغلب الظن أن حجر الفلاسفة هو مسحوق أسطوري أحمر ، وأن المواد كلها خرجت من مادة واحده وهي أصل الكون وكان الإعتقاد أن تلك المادة انشطرت لتكّون المواد الحالية كلها بخواصها الفريدة ، لذلك كانت محولات العلماء كلها تنحصر في محاولة إعادة تركيب المواد كلها لتكوين حجر بالخواص الأصلية للمادة الكونية ، وهي المادة التي تكّون منها الكون ، وهناك بعض العلماء مهتمون بتطوير نظريات خاصة بالحجر الأسطوري وتعتمد نظريتهم على أنه إذا تمكنا من تركيب عناصر الجدول الدوري كاملة في مركب واحد بالتأكيد سيصدر عنه حجر الفلاسفة و لكن حتى الآن لم يفلح أي أحد من اكتشاف تلك الأسطورة التي من المُمكن أن تُكسب الإنسان الخلود ، وحتى محاولات "جابر بن حيّان" لإختراع حجر الفلاسفة لم تُجدي نفعاً ، حيث إن فكرة تحويل المعادن إلى معادن أثمن "كالذهب أو الفضة" تعود إلى كتابات الكيميائي العربي "جابر بن حيّان" ، حيث قام ابن حيّان بتحليل خواص العناصر الأربعة بحسب أرسطو قائلاً بوجود أربعة خواص أساسية "الحر والبرودة والجفاف والرطوبة" وقد اعتبر النار حارة وجافة أما التراب فبارد وجاف بينما الماء بارد ورطب والهواء حار ورطب ، فذهب إلى القول أن المعادن هي خليط من هذه العناصر الأربعة اثنان منهما داخلياً واثنان خارجياً ، ومن فرضيته تلك تم الاستنتاج أن تحويل معدن إلى آخر ممكن من خلال إعادة ترتيب هذه الخواص الأساسية ، إن هذا التحول بحسب اعتقاد الكيميائيين سيكون بواسطة مادة سموها الإكسير ، واذا انتقلنا الى العالم "إسحق نيوتن" نجد أنه في عام 1940 أستطاع "جون ماينارد كينس" الكشف عن صندوق يحتوي على أوراق خاصة بـ"إسحق نيوتن" كان يدون فيها محاولاته اللانهائية للبحث عن حجر الفلاسفة ! ويبدو أن جُهد "نيوتن" ومن قبله من العلماء قد ذهب بغير طائل بعد أن تبين في العصر الحديث أنه ليست هناك أي طريقة كيميائية لتحويل نواة ذرة من عنصر على آخر ، وكل ما استطاع الكيميائيون فعله هو ترتيب الذرات لتكوين مادة جديدة ، لكن الغريب أن علماء الكيمياء في العصر الحديث بدءوا يسعون وراء اكتشاف "أكسير الحياة" من جديد الذي يجعل خلايا الإنسان تقاوم الشيخوخة ومن ثم يعيش عمراً أطول ، لقد كانت هناك جرائم فظيعة جداً أصعب من أن يتخيلها العقل البشري في سبيل الحصول على الإكسير من الدم ، مثل ما فعلت الأميرة السفاحة "الكونتيسة اليزبيث باثوري" التي اشتهرت بإسم كونتيسة الدم وهي عاشت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادي فقد قامت بقتل وتعذيب أكثر من 600 فتاه من الفتيات الفقيرات ، إضافه الى بعض الفتيات من الطبقه الارستقراطية على أساس أن دماء الأثرياء أكثر مفعولاً ، وكانت تستحم في هذه الدماء رغبة في القضاء على الشيخوخة وإطالة عمرها وقد تم تمثيل قصصها الدمويه في الكثير من الأفلام ، وبما أننا في خضم الأساطير سنتناول أبرز الأساطير التي بحثت عن الخلود بواسطة جُرعة سحرية أو نبتة عُشبية .
جلجامش
إحدى الملاحم القديمة التي تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد تدور أحداث هذه الأسطورة السومرية الرافدية حول سعي ملك "أوروك" الأسطوري جلجامش للوصول إلى مرحلة الخلود بعد أن فقد صديقة "أنكيدو" وتحمل جلجامش رحلة مليئة بالصعاب والمخاطر حتى وصل إلى "أوتو - بشتم" الذي قدم له سر الخلود وهذا السر عبارة عن نبتة موجودة في أرض الخلود دلمون "البحرين" وقد وجدها ، وبعد أن حصل عليها جلجامش لم يأكل النبتة بل قرر أن يذهب بها إلى "أوروك" ويزرعها هناك ويأكل منها أهلها فينعمون بطول العمر ، فرح جلجامش كثيرا بحصوله على النبتة لكن فرحته لم تدوم طويلاً حيث نزل في بركة ليغتسل فيها ، فخرجت حية وأكلت النبتة عنه ، فحزن حزناً شديداً عليها ، وجاء في الملحمة حيث يبكي ويندب حظه ويقول "من أجل من استنزفت دم قلبي لم أحقق لنفسي مغنماً ، أجل لقد حققت المغنم لأسد التراب ، أفبعد عشرين ساعة مضاعفة يأتي هذا المخلوق ويخطف النبات مني" ومن ضمن الأساطير البابلية أسطورة "أدابا" وهو كائن شبه مقدس ، يعمل كاهناً في خدمة معبد "أيا" بمدينة أريدو ولقد خلقه الاله "أيا" ليكون قائداً ومرشداً بين الرجال ، وذات يوم وبينما كان أدابا على قاربه يصيد السمك لمعبد أيا ، هبت الريح الجنوبية فجأة وقذفت به وبقاربه وسط الأمواج ، وفي قمة غضبه وحنقه رمى "أدابا" بلعنته على الرياح الجنوبية والتي كان البابليون يصورونها على هيئة طائر أو بمثابة كائن مركب مزود بأجنحة فكسر "أدابا" بلعنته اجنحة هذا الكائن واحتجبت بسبب ذلك الرياح الجنوبية سبعة أيام واستدعى الآله أنو لأدابا للمثول بين يديه حتى يقدم تفسيراً لفعلته الشنعاء ، غير أن "أدابا" وقبل أن يذهب إلى الإله أنو ذهب إلى ابيه "أيا" ليسأله النُصح والأرشاد فطلب منه الأب أن يُطيل شعر رأسه ولحيته وأن يلبس لباس الحداد حتى يُثير تساؤل "تموز" و "جيزيدا" وهما الحارسان لأبواب السماء وسوف يسألانه عن السبب في حزنه وحداده ، عندها عليه أن يجيبهما بأن فراقهما الفجائي للأرض التي اعتادا العيش عليها هي السبب في حزنه وحداده ولا بد لأشاراته المفعمة بالتبجيل والتوقير أن تجعل قلبيهما يرقان فيشفعان له عند الإله أنو ، كما نصحه الأب ايضاً ان يمتنع عن تناول كل ما يقدم له من طعام وشراب في السماء اعتقاداً منه بأن هذا الطعام والشراب من ماء وغذاء هي من أسباب فناء البشر.
مثُل أدابا في حضرة الإله أنو والذي كان قد قرر أن يعاقب أدابا ولكن بسبب توسط تموز وجيزيدا في اللحظة المناسبة قرر الإله أنو ليس أن يعفوا عن أدابا فقط وإنما بتكريمه ايضاً ، وفكر الإله أنو مع نفسه قائلاً : أدابا هو في الواقع نصف إله وأنه على اطلاع كافي بخفايا الأرض وأسرار السماء ، كما أنه حائز على حكمة الإلهة قدرتها فما الذي يمنع ضمه كلياً الى مجمع الآلهة ؟ حيث لم يبق إلا منحه صفة الخلود كي يرتقي إلى مقام الألوهية الكاملة ، وأصدر "أنو" أوامره ليؤتَ له بطعام الخلود ويوضع أمامه كي يصيب منه ، فجلب له طعام الخلود وماء الحياة ، غير أن أدابا كان يمتثل بنصائح والده "أيا" ويمتنع عن الأكل والشرب ، وعندها غضب الإله أنو وتوجه إلى أدابا بالقول ، لِمَ لَم تمد إلى الطعام أو الشراب يداً ؟ وبعصبية لن تخلد بعد اليوم خذوه وأعيدوه إلى الأرض ثانية ! ولو كان أدابا قد تناول شيئاً من الطعام والشراب اللذان قُدما له لكان واحداً من الالهة و لنال صفة الخلود ، لكنه رفض ما قدمه له الإله أنو التزاماً بنصيحة أبيه وجهله بحقيقة هذا الطعام والشراب ، أعيد أدابا إلى الأرض بعد أن فوت على نفسه فرصة الحياة الأبدية وعلى الجنس البشري.
أساطير أخرى
ظهرت فكرة الخلود في الأساطير اليونانية أيضاً وذلك قبل الميلاد بأكثر من عشرة قرون ، ففي قصة البطل الأسطوري "آخيلس" يتجلى ذلك بوضوح في محاولة الخلود ، فقد عمدت أم آخيلس "ثيتيس" إبنها آخيلس لجعله خالداً فقامت بتغطيسه في "نهر الخلود" والذي كان يسمى "ستيكس" وغطسته بجسمه كاملاً إلا منطقة الكعب لم يُصبها الماء فكانت نقطة ضعفه ، كذلك في القصص الإغريقية إن الساحرة "سيرس "عرضت على "أوليس" من خلال المرآة جُرعة سحرية تبقيه معها إلى أبد الآبدين ، وأيضا ظهر "ماء الخلود" في القرن الرابع قبل الميلاد في قصة الأسكندر الأكبر ملك مقدونيا والمعروف عند العرب بإسم "ذو القرنين" ويقول أبن الأثير "فلما فرغ من أمر السد دخل الظلمات مما يلي القطب الشمالي والشمس جنوبية فلهذا كانت ظلمة وإلا فليس في الأرض موضع ألا تطلع عليه الشمس أبداً ، فلما دخل الظلمات أخذ معه أربعم مائة من أصحابه يطلب "عين الخلد" فسار فيها ثمانية عشر يوماً ، ثم خرج ولم يظفر بها ، وكان "الخضر" على مقدمته فظفر بها وسبح فيها وشرب منها" .
فلسفة الخلود من خلال التحنيط
مصر القديمة
اعتبر المصري القديم أن هنالك نوعين من الموت ، "الموت الأول" هو مفارقة الروح البدن والدخول إلى العالم الآخر ، ولكنه لم يعتبره نهاية الحياه وإنما مرحلة انتقالية لحياة أخرى ، أما "الموت الثاني" فيعني تحلل الجسد وفساده ، واعتبر المصري القديم أن الموت الثاني سداً وحائطاً يمنعه من العبور إلى الخلود والحياه الأبدية في العالم الآخر ، وتخيل المصري القديم ان إله الخلق شكل البشر من جزأين أساسيين أولهما "المادة" والتي تحوي بداخلها خاصية قبول عوامل الفناء والتحلل ، والثاني "جوهر الحياة" أي الروح وكان مستقرها السماء بعد الموت ، ونجد أن المفهوم حول ذلك "أن الروح مستقرها السماء بينما الجسد للأرض" واعتقد أنه بحلول الموت "كمرحلة إنتقالية" يفترق الجسد عن الروح مدة زمنية محدودة ثم تحل الروح في الجسد مرة أخرى يوم الدفن لكي ترشدها في رحلتها إلى العالم السُفلي ، ولكن في النهاية تبقى الروح خالدة مخلدة في السماء والجسد على الأرض ، والتحنيط هو تطبيق هذه النظرية إي محاولة أيقاف عوامل فناء المادة ومساعدة جوهر الحياة في المستقر السماوي ، يقول الباحث في إعادة صناعة المومياء الدكتور يحيى بدر : أن قدماء المصريين كانوا يستخدمون "الناترون" وهو عبارة عن مادة طبيعية تنتج من فيضان النيل وتحتوي على مركبات الصوديوم وكلورود الصوديوم وسلفيد الصوديوم وكلوريد الصوديوم وبيكربونات الصوديوم الذي هو عامل للتجفيف" وإذا كانت هذه المحاليل الكيماوية الأربعة مفتاح السر في صناعة المومياء غير أن العملية الأعقد لا تقتصر على اكتشاف هذه المواد بل يتبعها معرفة السر في تجفيف المومياء وتخليصها من النسيج الدهني الذي إذا بقي فيها دمرها وحوّلها إلى فناء ، والغريب أن جميع الشعوب التي عُرفت بصناعة المومياءات كما يرى الباحثون اشتركت في الطريقة مع الإختلاف في أسلوب التجفيف بعدما أدركوا جميعاً ضرورة التخلص من نزف الدهون فوق المومياء ، وذلك بدون استثناء سواء في البيرو في أمريكا الجنوبية إلى مصر ، وهنا يوضح يحيى بدر أن قدماء المصريين كانوا يستوردون مواد التحنيط من أمريكا اللاتينية ، وكانت تربطهم بأهالي البيرو علاقات وطيدة ، وربما تعلموا منهم الكثير من فنون صناعة المومياء وعلموهم مما يعرفون ، لكن لكل شعب من شعوب العالم القديم كان له أسبابه في صناعة المومياء ، فإذا كان هدف الفراعنة "الخلود أو العودة إلى دورة الحياة مع المحافظة على كمال الجسم البشري" فإن ذلك كان يقتضي الحصول على مواد فعالة والتي بعضها لا يكون متوفراً في مصر ، بينما تكون موجودة فيما تعرف اليوم بالبيرو في قارة أمريكا الجنوبية.
ولأجل تلك الغاية بنى الفراعنة لهذه الرحلة مراكب عرفت في يومنا الحاضر بمركب الشمس أو مركب عين الشمس التي اكتشفت مؤخراً في الصحراء المصرية ، وقيل أن الفراعنة بنوها اعتقاداً منهم بأنها ستحملهم إلى عين الشمس ، حيث كانوا يعتقدون بأن الخلود سيكون فيها ، ولكن الدرسات أثبتت أنهم استخدموها للسفر إلى البيرو في رحلة تقصد الحصول على المواد الفعالة في صناعة المومياء قاطعين المسافات خلال عامين ذهاباً من مصر إلى البيرو وعامين إياباً إلى أهراماتهم .
أمريكا الجنوبية
لقد كان التحنيط يمارس أيضاً في جنوب أمريكا قبل قدماء المصريين بآلاف السنين ، فلقد تم العثور علي رأس الصبي شينكورو علي ساحل صحراء أتاكاما شمال تشيلي وجنوبي البيرو وكان التحنيط تقوم به جماعة شينكورو التي كانت تمارس صيد السمك التي لم يكن لها سمات حضارية سوى التحنيط ، فمنذ 6000 سنة ق.م كان التحنيط بإعادة بناء جسم الميت بعد انتزاع اللحم من جسم الميت والأحشاء الداخلية والجلد والمخ ، وكانت العظام تجفف بالرماد الساخن ، ثم يُعاد تشكيله بربطه بأغصان لتثبيته وحشوه بالأعشاب وكان يغطى بالجلد ويرقع بجلد طائر البيلكان أو سبع البحر ، ويغطى الجلد بطبقة ثخينة من عجينة الرماد ويوضع قناع من الطين على الوجه ويدهن بأملاح المنجنيز السوداء أو بالمغرة الحمراء ليصبح نسخة مشابهة للميت ، وكان يعاد طلاء القناع ، ومعظم مومياوات شينيكورو من الأطفال والأجنة ، لهذا كانت النسوة أول من قمن بالتحنيط للإحتفاظ بأبنائهن ، ولقد ظل التحنيط بواسطة الشينكورو في حضارات بيرو ، وفي شمال بيرو تم العثور على مومياوات قبائل "تشيمو" وكانت تعلو رؤوس مزيفة وملفوفة بطبقات من الملابس الكتانيه وحول خصرها أحزمة تتدلى منها جيوب ومواد زراعية مما يدل على اعتقادهم بالخلود في العالم الآخر وأظهرت أشعة إكس أن غالبية موياوات التشيمو كانت على أعينها شرائح معدينة ، والأجسام المحنطة كانت في وضع القرفصاء حيث كانت الركبة مشدودة تحت الذقن واليدان موضوعة قرب الوجه وكان الفكان فاغرين وكانت المومياء تغطى بالقماش.
مومياوات أخرى
في الصين وتحديداً في منطقة تاريم عثر على مومياوات تاريم وهي مومياوات ذات ملامح قوقازية بشعرها الأحمر وملابس التتر عمرها 3500 سنة وقد عثر عليها بصحراءغرب الصين ، تم اكتشاف هذه المومياء عن طريق الصدفة من قبل عمال الطرق الذين كانوا يبحثون لتوسيع الشوارع فى منطقة بشرق الصين ، وصنفت هذه الجثة على أنها امرأة رفيعة المستوى يعتقد أنها من سلالة مينج وهى السلطة الحاكمة فى الصين بين عامى 1368 و1644 ق.م وكان قد عثر على مومياء لسيدة في ثلاجة الطاي علي حدود سيبيريا مع منغوليا ولقد تم العثور على مومياوات في آلاسكا وجنوب غربي أمريكا وإيطاليا وأستراليا ، وعثر علي مومياوات بكهف خلفتها قبيلة إيبالوا بمدينة كابايان الواقعة بإقليم بنجويت بشمال الفليبين منذ مئات السنين وبالتحديد منذ القرن الثاني عشر وحتى مجيء القساوسة الأسبان في القرن السادس عشر ، وكانت المومياوات في وضع القرفصاء كالجنين في أكفانها الخشبية ومعظمها أفواهها ممطوطة كأنها تتحدى الموت ، وكان الأثرياء يحضرون لموتهم بإختيار مقابرهم التي سيدفنون فيها فيما بعد موتهم ولاسيما ولو كانوا يعانون من مرض الموت أو بلغ بهم العمر عتيا ، وكان يعطى لهم محلولاً ملحياً وهم أحياء لأنهم كانوا يعتقدون أنه ينظف الأحشاء الداخلية ، وبعد موتهم كان الإبن الأكبر ينفث دخان الطباق في فم أبيه الميت ليطهر الأنسجة ويحفظها ، ثم تخلع ملابس الميت ويُغسل بالماء العذب ويوضع فوق كرسي ويقيد به رأسه وظهره ويوقد نار هادئة لتجفف جسد الميت وكان يوضع إناء تحته لينزل به السوائل التي يعتقد أنها مقدسة فلا تهدر بل يحافظ عليها وعندما يتخلص جسم الميت من السوائل يوضع في الشمس لتسريع عملية التجفيف ثم تُقشر بشرة الجلد يدعك المكان بالنباتات المحلية ثم يغطى المكان بالوشم برسومات مزخرفة ومنتظمة ، وكان الوشم يرسم بخليط من السخام "الهباب أو السناج" وعصير الطماطم والماء وكان يوضع تحت الجلد بإبرة ، وقرب كهف الدفن كانت تقطع شجرة صنوبر طازجة لعمل الكفن.
رموز الخلود
لكل رمز معنى وطاقة ابتدائاً بالأحرف الأبجدية والأعداد والأسماء والشارات العامة والوطنية ، وليس انتهاء بالطقوس والشعائر الدينية والدنيوية ، ويبدو أن ثمة نزوع متأصل في الطبيعة البشرية إلى خلق هذه الرموز واستخدامها ، فقد تم تدوين كل العلوم المقدسة في العصور القديمة على هيئة رموز تلخِّص بعضاً من تعاليمها الغامضة ، مما شكَّل من هذه الرموز لغة مُلغزة ومشفرة ، فمعظم الرموز تكثِّف عدداً من المعاني في معنى واحد يمكن تفسيره إما على صعيد كوني أو على صعيد بشري ..
الثعبان
ثعبان أو تنين يأكل ذيله ، غالباً ما يرمز إلى التقلبات الدورية واستمرار إعادة احياء نفسه كمثل اسطورة طائر الفينيق أو العنقاء الذي حينما يموت يولد مرة أخرى من رماده ، قد ذكرت أسطورة جلجامش أن الأفعى هي من أكلت نبته الخلود ونعمت بالحياه الأبدية وربما تكون هذه الأسطوره سبب في اتخاذ الشعوب الحيه رمزاً للحياه والشفاء ، ولكن نجد ذكر للأفعى في النصوص الجنائزية المصرية القديمة حيث وجدت في قبر توت عنخ آمون في القرن الرابع عشر قبل الميلاد ، وهذه النصوص تتعلق بأفعال الآله راع واتحاده مع اوزيريس في العالم السفلي وظهر أثنين من الثعابين حيث تعقد ذيولها في افواهها وهذه الرموز كانت تحمي الإله راع وتهب له الحياه في رحلته الى العالم السُفلي ، وأيضاً نجد الأفعى في شجرة الحياة الزرادشتية فهي الغوغارد gogard أو gokard وتعيش بين أغصانها أفعى لا يمكن زحزحتها ، وهو ما يُذكِّر بشجرة المعرفة في جنة عدن العبرية ، إذ إن الأفعى في هذا السياق هي تجسيد للحكمة الإلهية ورمزاً للروح بسبب قدرتها على طرح جلدها ، تمثل الأفعى أيضًا التجدد والانبعاث والزمن الدوري.
الخوخ
في الفينج تشوي تستخدم الفاكهه كرموز للطاقه والخلود ، وطاقة الفواكه من ثمارها وغالباً ما تمليه التطبيقات التقليدية في الفينج تشوي في النصوص القديمة الصينية على أنها تستخدم كرموز محددة من طول العمر والازدهار والثروة ، لذلك نجد أن في الفينج تشوي يعتبر الخوخ من الفاكهه الأكثر شعبية وعلى أنها رمز للخلود ، كما هو معروف فأن الخوخ في الفينج تشوي تعتبر فاكهة أو ثمرة جائت من السماء بسبب شهرتها في العديد من الأساطير الصينية القديمة عن الآلهة الخالدة ، وهناك أساطير قديمة تصف شجرة الخوخ للآلهة التي نبتت في حدائق غرب مملكة "جيم وانغ مو" وتقدم كفاكهه للحياه كل ثلاث آلاف سنه مما أعطى القوة الخالدة ، كما جائت فاكهه الخوخ لتكون مرتبطة مع وفرة الثروة والصحة وطول العمر.
النسر
من أكثر الطيور التي حظيت باهتمام الإنسان وأشدها ارتباطاً بهواجسه لقداسة هذا الطائر وسر علاقته بالخلود وارتباطه بالحياة ، أتخذ البعض قديماً من النسر إله أو شبّه بالإله وهو يقترن بالجن ويرتبط بالروح ويتصل بالموت والخلود ، مثلاً في ثقافه "شتاك حيوك" النيوليتية يعتبر رمزاً للأم الكبرى ونجده في معابدهم وقد ملأ جناحيه جدار المعبد المقابل لتمثال الآلهه ، وكان الراهبات والكهنة يلبسن ملابس من ريش النسور ويضعن الأقنعة على هئية رؤوس النسور خلال الطقوس وتقديم القرابين ، ويعتبر النسر هو الرمز الأعلى ، وتمثلت قوته في قدرته على مقاومة الموت وفي صنع الموت بنفسه وإيقاعه بالبشر ، لذلك هم يعتبرون أن القادر على صنع الموت هو القادر على منح الحياه .
مفتاح الحياة
مفتاح الحياه او العنخ æŋk هو رمز الحياه الأبدية عند قدماء المصريين وكانوا يستعملونه كرمز للحياه بعد الموت ويحمله الالهه وملوك الفراعنه وهذا هو المعنى العام للرمز وهو كان يستخدم رمزاً للتعددية الدينية المبكرة لكل الطوائف التي تعتقد عن قصة شائعة بأن الحياة لا بد لها من مفتاح والذي يسمونه مفتاح الحياة الأبدية وهذا هو المعنى الحرفي للرمز ، وقد ظهر مفتاح الحياه في كثير من الأحيان على العُملات المعدنية القديمة في قبرص وآسيا الصغرى ، وكثير من الأحيان يحمل المصريين مفتاح الحياه كتميمة إما وحده أو مع إثنين من التمائم الأخرى التي تحميهم وتهب لهم الحياه .
الأشكال الهندسية
الدائره فهي من أكثر الرموز القديمة التي تمثل الخلود والكمال ، وقد تمثِّل الدائرة "الفضاء" بل فضاء أُشير إليه في سفر التكوين على أنه "مياه الفضاء" وما بعد هذا يكون اللاتناهي الذي لا يمكن التعبير عنه بأي شكل أو صورة ويشير محيط الدائرة إلى اللاتناهي الذي لا تحدُّه بداية أو نهاية وإذا وضعنا نقطة في منتصف دائرة الفضاء هذه سيكون لدينا المحرك الأول للروح ، وسوف يشير الفيثاغوريون إلى هذه النقطة بالـ "لوغوس" Logos حيث يمكن معادلة الدائرة بالبيضة ، الرمز المقدس في علم نشوء الكون لدى كل البشر والتي تمثل كلية الصيرورة الكونية التي وُلدت عبرها العوالم والكائنات الحية وهي تحتوي على القوى الموجبة والسالبة التي تُنتج معاً الحياة الجلّية للعيان ، أما إذا بدت الدائرة على شكل حلزون ، فإنها تمثل التطور والتغيُّر الأبدي والنمو ، أما الدائرة التي ينصِّفها قطر أفقي فتدلُّ على الطبيعة الأم المقدسة ، وعندما يُقطَع الخط الأفقي بخط عمودي ، يتشكل لدينا رمز الطبيعة الأب مُضافًا ، ويشكل الاثنان معًا صليبًا ويمثلان الكون المتجلي وعموماً يرمز الخط العمودي إلى الروح بينما يمثل الخط الأفقي المادة.
الخلود في الأديان
اليهودية - المسيحية - الإسلام
اختلفت فكرة الخلود والموت والحياة الأخرى بين شعوب العالم حسب دياناتهم وثقافاتهم وبيئتهم ، في الأديان السماوية نجد أن "الخلود" الذي تعنيه الأديان السماوية الثلاثة : المسيحية واليهودية والإسلام هو خلود الإنسان ككل روحاً وجسداً معاً في العالم الآخر بعد الموت ، ففي المسيحية هو يتضمن الخلاص من حالة الموت وينقله لحالة من السعادة نتيجة للفداء وامتلاك الحياة الأبدية ، فهو يشمل القيامة والحياة المكمَّلة في الروح والجسد معاً ، يقول الرسول بطرس : "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات لميراث لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحل ، محفوظ في السموات لأجلكم"بطرس1: 3-4 ويعلن الرسول بولس : " مخلصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" 1: 10.
والديانة اليهودية تعتقد بالخلود بعد الموت وأن الموت مرحلة انتقالية لكنها تختلف بأن الأرواح هي الخالدة ، لكن أرواح أو نفوس الصالحين سيكون لها جسداً جديداً وتنتقل إلى هيئات أخرى ، أما نفوس الأشرار سوف تعاني العقاب البدني ، وفي الدين الإسلامي يُعتقد بأن الأرواح تعود لصاحبها بعد الدفن ويعاقب ويثاب كلاهما "الجسد والروح" كما قال الله : "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى" وقوله : "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" سورة البقرة 39
الهندوسية
أن الفكر الفلسفي في الهند متراكم في كتاب "الفيدا" وهي كتابات متنوعة بين العلوم الدينية والفلسفية والطبيعية ، لكن أهم النصوص هي الاوبانيشاد 800-500 ق.م التي تحتوي على شرح للنصوص الجوهرية للديانة الهندوسية مثل عقيدة الكارما والتناسخ والأفكار المتعلقة بالوحدة والمساواة بين اتمان وبراهما ، الديانة الهندوسية فيها شيء من الثنائية فيشكل براهما ماهية العالم وأصل كل الموجودات ، واتمان هي الذات الفردية "النفس" التي لها خصوصية محددة والتي هي الأشياء الموجودة في الطبيعة تتحد بما ليس خاصاً بها ، ويخرج عنها "الروح في الديانات الأخرى" لتكوِّن الإنسان ، أن الذات "اتمان" يجب أن تمر في "طريق الكارما" في سلسلة من عمليات التناسخ كي ترتقي إلى مرحلة الوعي الكلي للبراهما الذي يمثل الغاية الأخيرة لكل إنسان عن طريق الزهد وزيادة المعرفة "السيطرة على الذات والتركيز" لحين وصولها إلى المعرفة الكاملة ، فتتحرر الذات من الحلقة المغلقة بين الولادة والموت ومن الألم الذي يرافقها في هذه المراحل ، فحينها تذوب اتمان "الذات" في البراهما وتنتهي كما ينتهي النهر في البحر ويصبح بلا إسم وبلا وجود ، وسيقول ايتمان : أنا هو براهما.
الإغريق
عند الإغريق كانت بداية ظهور الفكر الفلسفي العقلي ، فكانت المدارس الفكرية الإغريقية كثيرة ومتعددة ولكن أهمها هي فلسفة أفلاطون ، حيث حاول أفلاطون في نظريته الشهيرة "المُثل" إيجاد حل توفيقي بين فكر "بارمنداس" المادي الواقعي المستقر الغير قابل للتغيير وبين فكرة "هراقليطس" الذي آمن بأن كل شيء في تغير مستمر بين الأضداد حينما قال قوله المشهور : "أنك لا تستطيع الإستحمام في نفس النهر مرتين !" وفي نظرية المُثل لأفلاطون نجد تشخيص واضح حول فكرة وجود النفس "الروح" التي هي أبدية والجسد الذي هو زائل ، إذاً هناك بحسب وجهة نظر أفلاطون عالمان ، عالم المُثل الذي لا يتغير وهو مستقر أبدي ، وعالم الواقع الزائف المتعرض للتغيير والزوال ، لأن الجسد هو من عالم الواقع لذلك هو زائل ، وأن الروح هي من عالم المُثل لذلك هي أبدية ، لذلك تتصارع الروح في هذا العالم مع الجسد "القبر" كي تتحرر منه وتعود إلى أبديتها ، ومن هنا انطلق الفكر الميتافيزيقي الإغريقي الذي أثر على الفكر الإنساني عبر التاريخ كله.
الإبليسية
يعتقد معتنقي هذه الديانة أن الآلهه هم جنس من كينونات خارجة عن نطاق الأرض فضائي"Extraterrestrials" مشابه للبشر في الشكل ، وتم الإشارة إليهم في الكتاب المقدس بـ"الجبابرة Nephilims" أو ملائكة ساقطة ، وهذه الكينونات متطورة للغاية ، ومتقدمة بشكل عالي ، و قوية بشكل هائل وقد قاموا جينياً بتعديل حمضهم النووي حتى لا يشيخون ، من ضمن تلك الآلهة إبليس و الجآن الذين خلقوا كما يعتقدون من دون خالق ، و ذلك من خلال التطورالنشوء "Evolution" وأن إبليس هو الإله الخالق الحقيقي للبشرية وعندما أراد تقديم الخلود والألوهيه إلى البشرية قاموا بإيقافه آلهة أخرى ، الشعار المقدس في الوثنية هو الحية الأفعى لهذا السبب وجدت الأفعى منذ بداية الكون وفي كل حضارة وثنية كانت تحضى الأفعى دائماً بأعلى درجات التقديس والتبجيل ، والأفعى هي شعار ورمز إبليس وتمثل اللولب المزدوج للحمض النووي "double-helix of DNA" أيضا تمثل أفعى الكونداليني التي تقع على قاعدة العمود الفقري لدي كل إنسان ، حين صعود أفعى الكونداليني من خلال تطبيق العلوم الروحية الإبليسية "تأملات القوة" المقدمة من إبليس والآلهة "الجآن" وبمساعدتهم يحقق الإنسان الألوهيه والخلود الأبدي وبذلك فإنه يحقق الكمال الروحاني.
أيضا عند صعود أفعى الكونداليني يشفى الفرد من جميع الأمراض وبذلك فإنه يحقق الكمال الجسماني "لهذا السبب أصبح شعار الطب للقادوسيوس "Caduceus" يحمل أفعوان ملتفتان حول عصا ، فالعصا تمثل العمود الفقري والأفعوان تمثلان أفعى الكونداليني المزدوجة شعار القادوسيوس الطبي هو شعار الإله الإغريقي هيرميس "Hermes" الذي عرف في الحضارة المصرية بالإله ثوث "Toth" والإله ثوث هو واحد من أبناء إبليس السبعة.
الخلود عند الكائنات
البكتيريا
في جامعة أولد دومينيون بولاية فيرجينا الأمريكية وجد العلماء من خلال أبحاث أجروها على عينات من الصخور الرسوبية في جنوب إفريقيا ، أدلة تشير إلى وجود نوع معين من البكتيريا تسمى سيانوبكتيريا cyanobacteria ويرجع تاريخها إلى حوالي "2.9 مليار سنه" وهي أقدم دليل على وجود أحد أشكال الحياة على كوكب الأرض ، وهذه البكتريا تتألف من خليه واحدة و لا تزال تعيش على كوكب الأرض حتى يومنا هذا وتكتسب طاقتها من أشعة الشمس عبر التركيب الضوئي ، ذكر أحد علماء وكالة الفضاء الأمريكية ناسا أنه تم اكتشاف نوعاً من البكتيريا كانت تعيش على الأرض واعتقد أنها انقرضت ولكن يبدو أنها قد عادت إلى الحياة حيث أكد "ريتشارد هوفر" الذي يعمل في مركز مارشال لرحلات الفضاء الأمريكية ناسا أن البكتيريا التي تسمى بـ كارنو بكتيريوم بلايستوسيتوم كانت منتشرة على سطح كوكبنا في العصر البلايستوسيني ، وهو عصر الديناصورات المنقرضة .
وقالت مجلة الطبيعة العلمية أن من 60 إلى 70 % من كل البكتيريا التي تعيش على الأرض موجودة بأعماق المحيطات حيث لا وجود لأشعة الشمس أو الحرارة التي يمكن أن تقتل تلك الكائنات الفائقة الدقة التي لا تموت وقد تم التعرف على أنواع من البكتيريا على عمق 400 متر في عمق البحر وهي عاشت منذ 16 مليون سنة .
الهيدرا
يقول "ميلان كونديرا" من يفتش عن اللانهائية ما عليه إلا أن يغمض عينيه لكن ماذا لو كانت هذه اللانهائية موجودة دون أن نغمض أعيننا ؟ هنا تؤكد الدراسات بأن الشيخوخة ليست نتيجة حتمية بالنسبة لجميع الكائنات الحية بل ظهرت كضرورة اقتضتها عملية التطور على مدى العصور والأعوام ، صحيح أن التقدم بالعمر يرفع من احتمالية الموت إلا أن بعض الحيوانات كالهيدار مثلاً لا تموت بسبب الشيخوخة والسلحفاة أيضا أقل عرضة للموت مع تقدم العمر ، وحيث أن جوان الهيدار لا يشيخ بسبب التجدد المستمر لأنسجته وهو الموضوع كان محط دراسة للعلماء عندما يقول أستاذ علوم البيولوجيا في جامعه كيل الألمانيه البروفسور "توماس بوش" أنها حيوانات يبلغ عمرها 550 مليون سنة ! أنها خالدة لا تموت" وحيوان الهيدرا من "الجوفمعويات" التي هي من اللافقاريات وتعيش في المياه العذبة وتمتلك الهيدرا خلايا جذعيه خاصة بها تنقسم بشكل دائم ومنتظم لا ينتهي أبداً .
محاولات العلماء في البحث عن الخلود البشري
الساعة البيولوجية
هناك الكثير من الرؤى المستقبلية التي تطمح إلى تحقيق الخلود ، فالعديد من العلماء متفائلون إلى أننا سوف نصل إلى تحقيق الخلود الجسماني في العقود القليلة الأولى من القرن الحالي ، فيرى الدكتور "أوبري دي غراي" وهو أحد كبار الباحثين في هذا المجال أنه خلال العقدين أو الثلاثة العقود القادمة سوف نتمكن من القضاء على الشيخوخة وهذا أمر ممكن كما صرح بذلك في كتابه "إستراتجيات الهندسة تقاوم الشيخوخة" ، وأن غياب الشيخوخة يعطي فرصة للجسم في حياه أطول والتي نعبر عنها بالخلود البيولوجي حيث يعيش الجسم في حالة الشباب الدائمة فإذا انخفض معدل الشيخوخة تمتع الإنسان بعمر أطول ، ظل الإعتقاد السائد الذي يقول بأن الجسد يشيخ بشكل كامل في آن واحد ولسنين طويلة في حين أن الدراسات التي قامت في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى عكس ذلك ، فقد اكتشف العلماء وجود ما أسموه بالساعة البيولوجية والتي تعتبر خاصية لكل عضو من أعضاء الجسد البشري ، فقد أثبت العلماء أن الأعضاء تشيب بمعدلات تختلف عن الأخرى ، فقد لاحظ العلماء بأن ثدي المرأة يشيخ بمعدل أسرع عن باقي جسدها ، وباستخدام التقنيات الحديثة تمكن العلماء من كشف سر آلية التقدم بالعمر فقد وجدوا أن هنالك "جين" مخصص لكل عضو مسئولاً عن حساب العمر ، وفي دراسة أعدها أستاذ علم الجينات بجامعة كاليفورنيا "ستيف هورمتين" والذي يؤكد أن هدفه الأساسي هو رسم خريطة كاملة للجسم تتضمن التوقيتات البيولوجية الموجودة داخل جسم الإنسان ، وباستخدام تقنيات "نانوية" تمكن "ستيف" من حساب عمليات التغيير الكيميائي للحمض النووي مع تقدم العمر ومن هنا استطاع بناء ساعة بيولوجية خاصة لكل عضو من أعضاء الجسد ويضيف ويقول "لو استطعنا اكتشاف الأسرار وراء الساعة البيولوجية لتمكنا من إعادة الخلايا إلى حالتها الصفرية ، بمعنى أنه بإمكاننا إعادة الساعة البيولوجية إلى الوراء مما قد يكون المفتاح الرئيسي لحل لغز الشيخوخة" .
ختاماً يقول كارل سيجان "يالها من هبه ثمينة يقدمها العلم للإنسانية فلا شي يفوق هبة الحياة" ولا يزال العلم يحاول أن يرفع متوسط عمر الإنسان ، لكن الإصرار في مواصلة الطريق لم يجعل العلماء يقفون عند هذا الحد ، فما المانع من تحقيق الخلود الجسماني إن لم يكن مستحيلاً ، وإن لم يكن مستحيلاً فهو ممكن ! .
بحث وإعداد : ندى العمراني
Copyright©Temple Of Mystery
التعليقات
شكرا لك كنت محتاجة لهذه المعلومات "بالتوفيق"
المقال رائع جدأ ...ششكرا
ابحث عن حجر الخلود من زمن بعيد واخيرن وجدتة ولاكن لم انتفع بة لان علية حراثة شديدة واحول ان ادبرة واخرجة من القوة الي الفعل واجعل منة اكسير قوة كاثره وهازا اسمي علي الفس لمن يريد التعاون
تماما كعادتك أبدعت في كتابة هذا المقال بدقة لا سيما و أنك تطرقت الی مختلف المواضيع التي لها علاقة بالخلود او اكسير الحياة و الذي كان البحث عنه قائما منذ الأزل و حتی يومنا هذا..و أكثر ما لفت انتباهي هو الخضر والذي تتشابك حوله الأساطير فمنهم من يقول بأنه حي حتی يومنا هذا و هو في مكان لا يعرفه أحد حيث استدل موسی عليه السلام علی مكانه عندما قفز الحوت الی البحر بينما كان نائما و غفل غلامه عن اخباره، ومنهم من يقول بأنه قد توفي حيث اندثرت اخباره مع الزمن. و لقد قرأت كثيرا عن جلجامش و ملحمته و سعيه الحثيث في البحث عن النبتة التي تجعله خالدا.. و لكنني أعترف بأن هذه هي المرة الأولی التي أقرأ فيها بأن الإسكندر المقدوني الملقب بذي القرنين كان يبحث عن اكسير الحياة أيضا، فكل ما اعلمه عنه بأن الله قد أتاه من القوة ما يؤتي أحدا غيره و عندما وصل الی بلدة التجأ اليه الناس طالبين منه تخلبصهم من بطش يأجوج و مأجوج الذين كانوا يبطشون بهم و يستولون علی محاصيلهم و يرتكبون فيهم المجازر، عندئذ قام ببناء هذا السد مستخدما الحديد المنصهر ببن الصخور مما يجعل من الصعب تسلقها بسبب ملاستها و لهذا السور باب كبير عالي مع مفتاح يحتاج الی بضعة رجال لحمله بسبب ثقل وزنه. لكن ما اثار حيرتي هو لماذا كانت معظم المومياءات في الببرو من الأطفال ؟ هل تم تقديمهم كقرابين لخدمة الآلهة مع العلم بأن القرابين كان يتم انتزاع قلبها و شويه ؟..رغم ذلك لا بخفی علی أحد التطور الذي وصلت اليه تلك الشعوب و الحضارات رغم اختلاف ثقافاتها حيث أن التحنيط لا يزال لغزا غامضا الی يومنا هذا...لن أخفي اعجابي الشديد بهذا المقال الذي يحتوي علی معلومات جمة أغنت معرفتي أكثر..بارك الله بجهودك أستاذة ندی العمراني و بالتوفيق دوما ...
موضوع رائع بمعنى الكلمة
الاستاذة ندي انت مغامره فعلا وأتمنى للك التوفيق واسمحي لي لا تفكري بحجر الفلاسفه ولا اكسيد الحياه ولا القدره علي تجدد الخلايا كالهيدرا ولا عدم المرض كالقرش لايمكن الخلود الا اذا تحركنا بسرعه الضوا ومقدارها 300الف كيلو متر/ثانيه وبالتالي تنعدم الكتله ولا يوجد موت هل تتخلين مخلوقات حيه من نار ومخلوقات حيه من نور ومخلوقات ....الخ وهي تفكر بالخلود الماده ستار الحقيقه
مشكورين كثير ع مقالات الرائعه وواضح تعبكم بإعدادها وإخراجها بشكل الحالي ، وعندي طلب ممكن مراجع التي تتحدث عن كون toth أحد أبناء أبليس السبعه ، أول مره أسمع عن هذا الكلام وشكراً.
ممتع جدا باابداع
موضوع و لا أروع ، استمتعت و استفدت جدا من قرائته شكرا للعزيزة ندى و لمعبد الغموض تحياتي .
موضوع رائع جدا
المدعوة "هناء" ذكرت الكاتبة ما يتعلق بالخلود في القرآن وفي الإسلام ، ولم تميز دين عن دين بل ذكرت عدد من الآيات القرآنية المتعلقة بالخلود ، ونتسائل في ماذا لم تحترم الكاتبة النبي محمد كما تدعين ، نتمنى الإرتقاء في الطرح والتحرر من التحجر الفكري والتعصب الشيفوني وأن تحترمي موضوعية الكاتبة التي قدمت مقال موضوعي يتحدث عن الخلود في كل الأديان والأفكار الفلسفية المختلفة ، وبدورنا نشكرها عليه وهو جدير بأن يكون واحد من مواضيع المعبد .
اشكرك علي المقال الرائع ولكن اتمن ان تعطي القران حق ومستحق وانا تحترمي نبينا محمد صلي الله عليه وسلام وشكرا
مقال رائع جدا .فلسفة وجودية جميلة من كل الاديان بموضوع الخلود شكرا
دائما متألقه ما شاء اللـہھ
الموضوع ممتع و سلمت يداك .
موضوع اكثر من رائع
جميل جدآ موفقه يارب
جميل جدا
بحث طويل ومفصل وجميل ابحرت فيه من اسطورة لاسطورة ومن شرق الارض لغربها وبين الحضارات المختلفة وذلك باسلوب ممتع وحيادي الطرح والجهد المبذول على البحث مشكور للباحثة شكرا استاذة ندى انتظر جديدك على هذا الموقع المتميز
جميل جدا استمعت بابداعك استمري حبيبتي كل الامنيات لك بتوفيق
السلام عليكم .الخلود حقيقة و نجح البعض والقلة جدا من الحصول عليه.. و لمن لا يصدقون حسنا ثمة 7 مليارات بشري ماذا لو انتشر سر الخلود للعامة ماذا سوف يحصل ؟؟؟ سوف يمتلئ الكوكب و يحصل نقص في الموارد و بالتالي ينتهي امرنا ... شكرا على المقال