خصائص صوتية غامضة من العالم القديم
حتى وقت قريب ركز الباحثون والخبراء وعلماء الآثار في الحضارات القديمة بشكل حصري تقريباً على الآثار البصرية ، وفي الواقع هذا يعطينا معرفة محدودة عن الثقافات القديمة ، ولكن المجال الناشئ من علم الآثار هو تسليط الضوء على الآثار السمعية ايضاً التي من شأنها أن توسع من فهمنا في عظمة تلك الحضارات القديمة وعلومها الغامضة التي لا نعرف على وجه اليقين كيف امتلكوها ومن أين كانت لهم تلك المعارف الشاملة ، في هذا الموضوع الجديد من نوعه نسلط الضوء على بعض المعابد القديمة التي تمتلك خصائص صوتية غامضة جنباً إلى جنب مع بعض الأحجار التي تمتلك خصائص رنين غامضة ايضاً ، من الحجارة والصخور والمعابد سوف تتعرفون وتستمعون اليوم على رنّات ونغمات موسيقية وأصوات غريبة من العالم القديم لنرى كيف عاش أسلافنا من البشر وكيف استخدموا تقنية الصوت في معابدهم القديمة لأغراض متعددة ، فهل القدماء عرفوا أنواع معينة من الصخور التي لديها المقدرة على إصدار النغمات والأصداء والأصوات واستخدموها في معابدهم ؟ أم أن هنالك تقنية صوتية عالية تم استخدامها ولا نعرف عنها شيئاً ، في الواقع بعض هذه النغمات والأصوات قد تبدو بدائية ، ولكن البعض الآخر منها ليس أقل من أن نقول عليها أنها مذهلة .
الصخور الرنانة
نبدأ مع الصخور ، ومع الصخور الرنانة التي تقع في غابات ولاية بنسلفانيا الأمريكية على مساحة ما يقارب 128 فدان ، وهي صخور متناثرة في فضاء مفتوح حيث تتكدس تلك الصخور التي تترواح أحجامها من 3 إلى 5 أمتار في حالة من التناقض الواضح مع الأشجارة الخضراء المحيطة بها ويُعتقد أن عمرها يزيد عن 200 مليون سنة ، هي صخور رمادية جرداء وبعضها يجلس على رأس تله كما لو أنها قد سقطت من السماء بخلاف البعض الآخر منها في المنحدر ، حتى الحيوانات تميل إلى البقاء بعيداً عنها ، والغريب في هذه الصخور أنه عندما تضربها بحجر أو مطرقة تجدها ترن مثل الأجراس حيث أن نحو ثلث الصخور في تلك المنطقة كأنها من "الحجارة الحية" وتتكون جميعها من الصخور البركانية الباردة و يعتقد بعض العلماء أن تلك الصخور كانت نتيجة بركان قديم انفجر في تلك المنطقة وأصبحت على النحو الذي نراها عليه اليوم ، في عام 1965 قام الجيولوجي "ريتشارد فاس " باختبار الخصائص والمكونات الصوتية الصادرة من تلك الصخور في مختبره الخاص ، وعندما ضرب الصخور وجد أن معظمها تبعث بسلسلة من النغمات ولكن أقل بكثير من الترددات التي يسمعها البشر ، ووجد أن الصخور المتبقية تنتج مختلف النغمات المنخفضة ومن ثم تتفاعل مع بعضها البعض لتخلق ترددات مسموعة عالية النبرة ، لم يستطع "فاس" ولا أي شخص آخر من تحديد الآلية المادية الفعلية التي تسبب تلك الرنّات والنغمات المتفاعلة مع بعضها البعض ، وفي الواقع كانت تلك الصخور الرنانة محوراً للعديد من الأساطير الأمريكية الأصلية القديمة وتوجد الكثير من القصص حولها وحتى الآن لا يُعرف كيف تتفاعل مع بعضها البعض في خصائصها ونغماتها الموسيقية .
توينكل توينكل ليتل ستار على الصخور الرنانة - شاهد الفيديو
معبد كوكولكان
وسط الأطلال القديمة لحضارة المايا يقف "معبد كوكولكان" وهو عبارة عن هرم مكون من الحجر الجيري ، وفي الواقع تم بنائه في حالة من التزاوج المذهل بين العلم والدين ، هرم أو معبد كوكولكان هو بارتفاع حوالي 30 متراً مع قاعدة قياس 55 متراً وعلى كل جانب من المعبد وضع إله المايا الذي يعني اسمه في لغة المايا "الثعبان ذو الريش" ومن وجهة نظر علمية نجد أن وظائف المعبد والتقويم الشمسي يوجد على كل جانب من الهرم ، ولديه درج بـ91 خطوة من الجهات الأربعة توصل إلى قمة الهرم التي تؤدي إلى منصة الكاهن في المعبد العلوي المربع ، هذا هو ما مجموعه 365 خطوة ، وهو عدد أيام السنة ، وتم تقسيم درج الهرم أيضاً إلى تسع طبقات في 18 قطعة أو طبقة ، وهو عدد الأشهر في تقويم المايا مع تقويم الإعتدالين الخريفي والربيعي ، وتقنية رهيبة بالنسبة للشمس ودخول أشعتها إلى داخل المعبد عن طريق فتحات في جدران المعبد ، حيث تدخل أشعة الشمس وتلقي بظلالها بما يشبه ذيل الثعبان ، فترى الظل كأنه ينزل ويتمايل إلى الأسفل من خلال الدرج الشمالي إلى أن يصل لنحت حجري بشكل "رأس الحيّة" الذي يمثل الإله
في الواقع معبد كوكولكانكغيره من معابد المايا التي بُنيت لتتراكم حولها الطاقة المقدسة ، هذا الهرم الرائع هو مقدس عند المايا القديمة وواحد من نقاط القوة التي تربط العالم الحقيقي بالعالم الآخر ومن أكبر نقاط القوة لتدفق الطاقات الكونية ، وذلك باستخدام طقوس معقدة ووسائل بناء علمية غامضة لجعله واحداً من أجمل وأكثر الأماكن غموضاً على الأرض ، وبعد هذا الشرح الموجز لمعبد كوكولكان نأتي إلى ما يتعلق بموضوعنا اليوم وهو أن من غرائب هذا المعبد ايضاً أنه يُحدث أصداء صوتية مذهلة عندما تقترب منه ، وفقاً لأستاذ الهندسة الصوتية "ديفيد لوبمان" كانت المايا قد استخدمت تقنية صوتية غريبة وغير معروفة ، بحيث مثلاً إذا صفقت بيديك عند قاعدة الهرم ، يعود إليك الصوت كما لو كان صوت أو "زقزقة طائر الكويتزال وهو طائر المايا الجواتيمالي المقدس" الذي يؤمنون أنه رسول الآلهة إلى المايا ، وبحسب "لوبمان" يعتقد أن كهنة المايا كانوا قد استخدموا تقنيات صوتية أخرى بحيث إذا صفق الحشود المجتمعين عند المعبد سوف يستجيب الهرم في صوت زقزقة جماعية للطائر المقدس ، ووضعوا نظام صوت أعجب وأغرب وهو أن الكاهن في أعلى المعبد يستطيع أن يسمع الناس الذين على الأرض لمسافة بعيدة.
مذهل حقاً - شاهد الفيديو
مايشاو
مايشاو ، ربما الكثيرون منكم لم يسمع بهذا الإسم ، هو عبارة عن مقبرة ضخمة بُنيت قبل ما يقارب 2800 سنة قبل الميلاد على جزيرة أوركني الأسكتلندية ، وهي واحدة من المعالم الأكثر إثارة للإعجاب المتبقية في أوروبا لحضارات ما قبل التاريخ وقد بُنيت كمقبرة حجرية تحتوي على غُرف كبيرة ، ويعتقد أنه قد تم بناء مايشاو وسط طقوس مليئة بالموسيقى والترانيم الخاصة ، مايشاو هو هيكل حجري مخروطي على قاعدة حوالي 11 متراً وثلاثين متراً في الإرتفاع وبداخله غرفة مركزية كبيرة وثلاث غرف جانبية ، ومدخل نفق طويل يحتوي على فتحة تدخل من خلالها أشعة الشمس بحيث أن أشعة الشمس تضيء الغرفة المركزية لبضعة أيام خلال منتصف الشتاء ، وهو أحلك الأوقات ظلاماً وعتمة في الليل في فترة منتصف الشتاء من كل عام ، ولكن الميزات الصوتية في مايشاو هي الأكثر إثارة، في الواقع نعرف أن العديد من الثقافات القديمة اعتمدت على التواصل مع عالم الأرواح من خلالالصوت ونرى أن مايشاو كان قادراً على انتاج بعض التأثيرات الصوتية التي لا تصدق بالإضافة إلى أصداء وموجات صوتية قُبالة الجدران الحجرية الداخلية التي يمكنها خلق تأثير بموجات دائمة تتفاعل مع المرتل أو الطبال خلال الطقوس الخاصة ، ومن ثم تُصدر أصواتاً غريبة ومخيفة وكأنها تأثير خارق قادم من عالم الأرواح وخصوصاً عندما كان من الصعب تحديد مصدر الصوت للناس العاديين في ذلك الوقت وكانوا يعتقدون أن الأرواح قد حضرت للمشاركة في الطقوس معهم .
وبعد دراسة تلك الأصوات من داخل المبنى أو ذلك القبر الكبير وجدوا أن هذه الأصوات من الممكن أن تُغير الحالات الذهنية للمشاركين في الطقوس أو من يسمعها من خلال خلق بعض الأحاسيس الجسدية أو النفسية المقلقة مثل الدوخة والصداع والشعور بالغثيان وكذلك لوحظ زيادة في معدل نبضات القلب وكل هذه التأثيرات بسبب النغمات والأصوات التي تحدث بداخل المبنى ، لا أحد يعرف على وجه اليقين كيف استطاع القدماء الإستفادة من الخصائص الصوتية في مايشاو بهذا الشكل المذهل وهو واحد من أغرب المباني القديمة على الأرض .
علامات الكؤوس في السويد
ونرجع إلى الصخور مرة أخرى ولكن إلى السويد ، في السويد تعني كلمة رنين الأحجار "كلانجيستون" وهذه الأحجار أو الصخور الرنانة الموجودة في السويد والنرويج ايضاً ، تتميز بوجود "حُفر" يسمونها علامات الأكواب أو الكؤوس ، ويعتقد الخبراء أن في مرحلة ما بين أواخر العصر الحجري والعصر الحديدي كان لعوامل التعرية الجوية والمناخية والبراكين دور في نحت التجاويف المعروفة بإسم "علامات الأكواب" في العديد من الحجارة "شخصياً لا أعتقد ذلك " تلك العلامات بحوالي 10-3 سم في القُطر وبقدر 5 سم في العمق ، في السويد كما ذكرت غالباً ما يُشار إليها بإسم علامات الكؤوس ويعتقد السويديين أنه قد تم استخدمها لتقديم القرابين إلى "الجن" مقابل التمتع بالمحاصيل الجيدة خلال فترات الخصوبة وربما لطقوس الموت حيث قد استخدمت علامات الأكواب لتقديم الدماء والنقود المعدنية وأكثر من ذلك في تلك الحُفر كقرابين للآلهه في الحقب الزمنية الماضية ، في الواقع كثير من السويديين القدماء كانوا يستخدمون مياة الأمطار التي تتجمع في علامات الأكواب من أجل تخصيب التربة لأنهم يعتقدون أن مياه الأمطار التي يتم جمعها وأخذها من تلك الحُفر لها مقدرة سحرية وفعالة للعلاج ولتخصيب الأرض وطالما اعتبروها مياة مقدسة حيث كانت تستخدم ايضاً مع غيرها من الشروط الشامانية القديمة في استخدامات متعددة ، وكذلك هذه الصخور التي تحتوي على علامات الأكواب كانت قد استخدمت كأداة للقرع أو الطبل وهم يعتبرونها "طبلة الشامان المقدسة" ويعتقد كثير من السويديين أيضاً أن هناك معادن كانت مخبأة بداخل تلك الحجارة ومنها الذهب أو الفضة ، ويعتقد بعض الباحثين أن المسافرين قد استخدموا تلك الحجارة لطلب الحظ السعيد أثناء رحلاتهم بعد القرع عليها ، ايضاً لا أفوت أسطورة قديمة أخرى في الأساطير السويدية بأن تلك الصخور هي وسيلة للتواصل مع أرواح أجدادهم أو مع كائنات بداخلها .
شاهد الفيديو
نختم هذا الموضوع مع المعبد المرعب ، حيث قبل ثلاثة آلاف سنة قدمت "حضارة شافين" ما قبل الأنكا القديمة ما يُعرف بشافين دي هوانتار في جبال الأنديز البيروفية على بُعد 240 كيلومتراً إلى الشمال من العاصمة البيروفية ليما ، حيث قاموا ببناء حجارة ضخمة كمعبد واستخدموا فيه تقنيات صوتية غريبة حيث يبدو أن الكهنة اعتقدوا أن استخدام الأصوات المُخيفة والمؤثرات العقلية سوف يؤدي إلى فتن الناس أو تضليلهم أو ربما السيطرة على أتباعهم ، في داخل المعبد متاهات وسراديب ضيقه وملتوية وتحتوي على غُرف تحت الأرض ، صدى الصوت يُسمع في الممرات ولكن الصوت يتغير على غير طبيعته فيصبح صوتاً مخيفاً مرعباً ، ولو دخلته تود لو أنك لم تدخله ابداً ، يبدو أنها كانت خطة رائعة ومعقدة على حد سواء لإستخدام الحيل الصوتية لإثارة الرعب والصدمة لزوار المعبد ، حتى أنه أحياناً تتضخم الأصوات الصادرة بداخل المعبد وتضل تتردد قبالة الجدران في اتجاهات متعددة والتي يمكن أن تجعل من الزوار يشعرون وعلى الرغم من أن عقولهم بحالة سليمة بنوع من الهلوسة ، وكثير من الباحثون تحدثوا عن تجارب كانت مرعبة جداً بداخل المعبد ، والبعض تكهن أن تلك التقنية الصوتية الغريبة التي استخدمت في المعبد كانت مقصودة لعدم رغبة الكهنة في زيارة الناس للمعبد فيما بعد ، وفي أحد الغرف يوجد تمثال يصور الإله الرئيسي لثقافة شافين وعندما تتحدث بجانبه يكون هناك انعكاس للصوت على التمثال وتجعل التمثال يبدو كأنه يتحدث..
ويرى الباحث في جامعة ستانفورد "جون ريك" أن الكهنة في شافين دي هوانتار قد استخدموا هذه المؤثرات الخاصة والمخيفة من الصوت والضوء إلى جانب المؤثرات العقلية للوصول إلى السُلطة على الناس وتحويلهم إلى أتباع لهم ، لتبقى السُلطة في قبضة يد الكهنة .
Copyright©Temple Of Mystery
التعليقات
موضوع ممتاز واكثر من رائع يستحق القراءة شكرا
روعه بجد
المقال أكثر من مذهل
رائع استاذ رامي دائما متميز ومواضيعك متميزه بدون منافس
كنت اتمنى وجودفيديو لمايشاو مقال متقن ومميز بالتوفيق
موضوع مميز جدا تسلم ايدك
impressive
رووعه شي عجيب سبحان الله خاصه معبد كوكولكان !!!!
الله يعطيك الف الف عافية على هذه المواضيع الشيقة والرائعة حقا بارك الله في جهودك انت وفريق العمل (L)
موضوووع رااائع وجديد دائما متميز وموضوعاتك مميزه استاذ رامي شكرا استمتعت بقراءة الموضوع الجميل
مقال يفوووووق الخيال ،،، جداااااا جميل ،،، اشكر جهودك استاذ رامي
شكرا استاذ رامي على الموضوع المتميز ..بالنسبة لعلامات الكؤوس نشأت تعج بالآثار القديمة وقد لاحظت مثل هذه الحفر الصغيرة كثيرا في صخورها ولم يخطر ببالي اي فكرة تجاهها سوى انها نتيجة تصلب الصخور او بداية لعمل فني لم يتم على الصخرة ..لكنني بعد قراءة هذا المقال قد استغرق في تأملها اكثر عسى ان اكتشف شيئا من الاسرار التي خلفها