مدائن صالح : بوابات الآلهة
عندما نسمع عبارة "حضارة قديمة متقدمة" فإننا نميل تلقائياً إلى التفكير في مصر أو بلاد ما بين النهرين أو الهند أو بعض الحضارات القديمة المعروفة الأخرى في بيرو أو بوليفيا ، و التي تركت ورائها عدداً من المباني القديمة الرائعة التي لا تزال شامخة حتى يومنا هذا ، وفي المقابل لا نزال نتعجب منها وفي كيفية بنائها ونتسائل عن سبب وجودها ، ومن منطلق سعينا في كشف أسرار ماضينا البعيد فإن ذلك سيأخذنا إلى مدائن صالح في المملكة العربية السعودية ، حيث أن هذا الموقع لا يقل غرابة وروعة من حيث البناء والهندسة المعمارية المُعقدة عن الحضارات الأخرى المتقدمة والغامضة على حد سواء التي وجدت في مصر أو في أمريكا الجنوبية ، ونحن في الواقع نواجه أدلة محيرة عن هذا المكان وكلها تشير إلى حضارة قديمة متطورة عاشت هناك ، و أولئك الذين فحصوا الأدلة العلمية والأثرية في تلك المنطقة قالوا أن النتائج قد تعيد كتابة التاريخ أو المفهوم الديني القديم عن تلك المنطقة .
إذاً ، سنبحث في هذه المقالة الأدلة الأثرية والتاريخية المُثيرة للإهتمام التي يُمكن أن تلقي الضوء عن تلك الحضارة القديمة التي كانت تعيش في منطقة الحجر أو ما يُسمى مدائن صالح منذ آلاف السنين ، وسوف نطرح نظرية مبنية على بعض الروايات من الحضارات والثقافات العالمية المختلفة والتي ربما تكون غير عادية عن أسباب بناء تلك القصور والبوابات العملاقة في مدائن صالح الغامضة أو في أماكن أخرى من العالم .
مدائن صالح
أولاً يجب أن أقوم بتعريف موجز عن هذا الموقع الأثري المعروف بـ مدائن صالح والمعروف سابقاً بإسم الحجر ، وهو موقع أثري يقع في شمال غرب المملكة العربية السعودية وتحديداً في محافظة العُلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة بحسب التقسيم الإداري للمناطق في المملكة العربية السعودية ، وعلى الرغم من أنه أشهر موقع أثري في السعودية إلا أن هذا الموقع المُدهش كُنّا لا نعرف عنه إلا القليل ، وظل ممنوعاً أو منطقة محرمة للدخول إن جاز التعبير لعدة سنوات وذلك لأسباب دينية غريبة باعتباره مكاناً ملعوناً كان يعيش فيه مُجتمعاً شريراً من قبيلة ثمود وقد دمرهم الله تدميراً جزائاً على أعمالهم ! وسوف أناقش هذه الجزئية بعد قليل على أية حال ، ولكن قبل ذلك أحب أن أشير إلى أن هذا المكان هو أول موقع أثري في المملكة العربية السعودية يتم إدراجه في قائمة التراث العالمي ، باعتبار أن اليونسكو قد وصفته بأنه مثال بارز على "الإنجاز المعماري والخبرة الهيدروليكية القديمة" وكما سنرى أن هذا الموقع كان أحد البؤر الإستيطانية الجنوبية للشعب النبطي الغامض ، وهم نفس الشعب أو نفس الحضارة التي قامت ببناء مدينة البتراء الرائعة في الأردن ، وبطبيعة الحال كانت عاصمتهم القديمة ، حيث بُنيت مدائن صالح أو نُحتت جبالها بهذا الشكل المدهش من قبل الأنباط بين القرن الأول قبل الميلاد و القرن الأول الميلادي ، وقد أصبحت أعجوبة معمارية و شهادة خالدة على مهارة و قدرة خاصة من الأنباط في البناء و الحفر والزخرفة والنقش و إتقان الهندسة المعمارية القديمة بشكل عام على الجبال والصخور الصلبة منذ آلاف السنين .
أسطورة ثمود والنبي صالح في مقابل الأدلة العلمية الأثرية والتاريخية
أثبت التاريخ الرسمي المعروف أن الثموديين ظهروا لأول مره عام 715 قبل الميلاد ، أي في القرن الثامن قبل الميلاد ، وكانت مملكتهم مزدهرة أثناء عهد الإمبراطورية الآشورية القديمة ، وهم قبيلة عربية قوية سكنت شمال شبه الجزيرة العربية في الصحاري أو المناطق التي كانت بين العراق والأردن وليس في منطقة العُلا أو الحجر ، واستمروا تقريباً إلى القرن الخامس الميلادي وتذكر السجلات التاريخية القديمة أن فرساناً من ثمود كانوا من ضمن الجيش البيزنطي في العصور المسيحية الأولى ، بمعنى أنهم ليسوا شعوباً قديمة جداً جائت في القرن الثالث بعد قوم عاد و النبي نوح ، فهم شعوب متأخرة لا يوجد لهم ذكر في التاريخ إلا قبل ميلاد المسيح بـ 715 عام فقط ، وقد أكد عدد كبير من علماء الآثار أنهم لم يعثروا على أي دليل علمي أثري خلال عمليات الحفر والتنقيب في منطقة الحجر يعود للثموديين أو أنهم قد سكنوا المنطقة ، وأكدوا أن كل النقوشات والكتابات على الجُدران والصخور في المنطقة تعود للأنباط واللحيّانيون ، وأن تلك المباني أو الجبال المنحوتة كانت عبارة عن مقابر وقصور نبطية لا يزيد عمرها عن 2100 سنة ، حيث أنك عندما تذهب إلى مدائن صالح اليوم يمكنك رؤية العديد من المباني الصخرية الرملية الكبيرة التي تبرز من الصحراء ، ومعظمهما بحسب علماء الآثار كانت تُستخدم كمدافن ، و مثل الكثير من الحضارات في العالم القديم ، كانت تلك الشعوب تعبد الآلهة ، وأهمها كان إله الشمس دوشارا أو ما يسمى عند العرب "ذو الشرى" بالإضافة إلى اللاّت والعُزى و مناة و هُبل ، ويمكن تلخيص تاريخ المنطقة الرسمي من خلال ما ذكره كبار المؤرخون التاريخيين ومن خلال علم الآيركولوجي أو علم الآثار بنقطتين رئيسيتين :
1- تاريخياً كانت الحجر قرية أو منطقة لحّيانية ، أي أنها تعود للحضارة اللّحيانية التي ظهرت قبل القرن الرابع الميلادي ، وهم قبيلة عربية إحتلت منطقة العُلا "ديدان" سابقاً من الديدانيون ، وهم الشعوب الأصلية لمنطقة الحجر وهناك كتابات لحيانية قديمة على الصخور تؤكد ذلك .
2- في القرن الأول قبل الميلاد إحتل الأنباط الحجر من اللحّيانيون في عهد الملك اللحياني الأخير "مسعودو" 120 سنة قبل الميلاد ، والأنباط هم من قاموا ببناء ونحت الجبال العملاقة في المنطقة ، وجعلوها مدينة قائمة كتلك المباني الصخرية المنحوتة على الجبال في مدينة البتراء في الاردن ، العاصمة الرئيسية للأنباط .
وفي الواقع كان قد ذكر عالم الآثار الدكتور "فرج الله أحمد يوسف" أنه ليس لقوم ثمود الذين يُنسبون إلى النبي صالح وقصة الناقة أي صلة بالمنطقة ، حيث لم يُعثر على أي نقش أو كلمة واحدة تنتمي إلى ثمود أو تثبت أن الثموديين قد سكنوا المنطقة ، وكل ما تم العثور عليه هو نقوشات وكتابات لحيانية و نبطية ، وقد إستشهد بما ذكره عالم آثار آخر وهو السعودي "عبد الرحمن الأنصاري" أن مدائن صالح في أساسها لم تنسب إلى النبي صالح ، وإنما لرجل آخر إسمه صالح من بني العباس بن عبد المطلب في القرن الثامن الهجري أو في القرن الرابع عشر الميلادي ، بمعنى أن ما أصدرته هيئة كبار العلماء في السعودية من فتوى عام 1392 هجرية في عدم إحياء أو زيارة المنطقة إستناداً إلى ما ذُكر في النصوص الدينية المقدسة أو الأحاديث النبوية كون المنطقة هي منطقة عذاب الثموديين من قوم صالح فهو غير صحيح ، وأن هيئة كبار العلماء لم تتأكد من حقيقة ذلك أو تستمع إلى ما قاله علماء الآثار أو ما توصلوا إليه من نتائج في المنطقة .
وفي الواقع أن خلاصة تلك النتائج تظهر جلياً في تصريح مدير وحدة الآثار والمتاحف في منطقة العُلا سابقاً السيد "مطلق سليمان المطلق" لصحيفة عكاظ السعودية في 6 ديسمبر عام 2007 حيث قال أن الواجهات المنحوتة في منطقة الحجر والتي يصل عددها إلى 131 هي عبارة عن مقابر نبطية أُسرية ، وأن التحليل الكيميائي الذي تم إجراؤه لبقايا العظام البشرية في هذه المقابر أثبت أنها تعود في تاريخها إلى 100 سنة قبل الميلاد ، حيث بدأت الحضارة النبطية في منطقة الحجر ، وقال : "ليس صحيحاً الزعم الذي يقول أن بعض الواجهات التي لم تكتمل عليها عمليات النحت هي ثمودية ، وهو زعم و إجتهاد خاطئ مردود لعدم وجود إثبات علمي على ذلك" وأشار المطلق إلى أن الأدلة الشرعية في القرآن والحديث النبوي هي وحدها التي تم الإستناد إليها في تحديد المنطقة ونسبتها إلى قوم صالح من دون الإستناد إلى أدلة علمية أثرية .
بوابات نجمية قديمة ؟
حسناً ، نأتي الآن إلى الجزء الأكثر إثارة بعد أن علمنا أن أصل المنطقة لا ينتمي إلى قوم ثمود لا تاريخياً ولا علمياً ، و بغض النظر إن كانت عبارة عن مقابر أسرية للأنباط وهو إحتمال قائم و قوي جداُ سوف نذهب الآن مع الأساطير القديمة ، وهي مرتبطة بشكل أو بآخر بأسطورة الناقة مع قوم النبي صالح وفي كيفية خروجها ، فلو إفترضنا أن لكل أسطورة أساس ، فهل هذه المباني الصخرية ذات الأبواب أو البوابات الكبيرة كانت عبارة عن بوابات مؤدية إلى أماكن بعيدة في أماكن أخرى ! حيث أن الأساطير القديمة تقترح أن هذه المواقع القديمة تذهب إلى أبعد من فهمنا العقلاني ، وأنها في الواقع عبارة عن "بوابات قديمة" تقود إلى أماكن أخرى ، لماذا نبني أبواب عملاقة على الصخور الصلبة ؟ وما هو الهدف الفعلي لهذه الآثار والبوابات العملاقة ؟ هل تم إنشاؤها كمقابر قديمة كما يشير علماء الآثار التقليديون فعلاً ؟ أم شيدت لأسباب جمالية فقط ؟ أم أنه من المُمكن أن يكون هناك أهمية أخرى لها ؟ هل من المُمكن أن كُلاً من مدائن صالح و "بوابة الآلهة" في هايو ماركا في البيرو هي في الواقع كانت ولا تزال بوابات نجمية قديمة شديدة التعقيد ؟ هل كانت تؤدي إلى أماكن مختلفة أو حتى أبعاد أخرى ؟ هل هي جزء من تكنولوجيا قديمة ضائعة ؟ أسئلة لا حصر لها ، وكلها لا تزال دون إجابة ، فمن غير المؤكد في ماذا كانت تُستخدم تلك البوابات أو المباني المنحوتة على الصخور و الجبال العملاقة .
إذاً دعونا نُقرب الصورة أو الفكرة قليلاً ، على سبيل المثال هُنا بناء مُشابه أو مُتطابق جداً مع تلك المباني في البتراء ومدائن صالح ، وهو موجود في "هايو ماركا" في البيرو كما ترون في الصورة ، على الرغم أن هناك العديد من المواقع القديمة في جميع أنحاء العالم تشبه هذا النوع من البناء والتي تعرض خصائص رائعة لا يُمكن لعلماء الآثار تفسيرها ، فهي تشير في كيفية بنائها إلى أن الثقافات القديمة عرفت منذ آلاف السنين هندسة و تكنولوجيا غامضة فقدت في العصر الحديث ، حيث تُظهر المواقع القديمة مثل هايو ماركا في البيرو والبتراء في الأردن ومدائن صالح في السعودية أوجه تشابه مذهلة بينهما ، ليس فقط في هندستها المعمارية ، ولكن أيضًا في تاريخها الطويل الذي يتحدث عن تفاصيل رائعة كما ذكرت ، حيث يعتبر السُكان المحليين في منطقة "هايو ماركا" في البيرو أن هذا الجبل الصخري عبارة عن مبنى شُيدّ مع قوى باطنية ، وأن تلك البوابة عبارة عن بوابة نجمية يُشار إليها من قبل السُكان المحليين بإسم "أمارو مورو" نسبة إلى أحد الكهنة ، ويدعونها كذلك بـ بوابة الآلهة ، و تقول الأساطير القديمة في المنطقة أن هذا الباب سيُفتح في يوم من الأيام و يرحب بالآلهة القادمة من السماء ! ومنذ العصور القديمة وهذه المنطقة مُبجلة من قبل السُكان المحليين الذين يعتبرونها بالفعل "مدينة الآلهة" فنجد في أساطير السُكان الأصليين في البيرو أنه خلال فترة الغزو الإسباني ، كان هناك كاهن يُدعى "أمارو مورو" هرب من الغزاة الإسبان حاملاً معه قرصاً ذهبياً مُقدساً يُعرف بإسم "مفتاح الآلهة" واختبأ الكاهن في الجبال المحيطة بالمنطقة خشية أن يأخذه الجنود الإسبان أو يأخذون المفتاح منه ، وفي وقت لاحق وصل الكاهن إلى البوابة في هايو ماركا ، وبعد أن قام بأداء الطقوس فُتح الباب وانبعث منه ضوء أزرق و دخل الكاهن من خلال الباب و لم يُرى مرة أخرى ، قصة مُدهشة أليس كذلك ! لكن الأكثر إدهاشاً أنها تتشابه أو تتطابق مع ما قاله سيد مكة و العرب قديماً "عمرو إبن لُحي" عن اللاّت ، عندما قال : "إن ربكم كان اللاّت ، وقد دخل في جوف الصخرة !" وكما تعلمون أنه بحسب السردية الإسلامية خرجت الناقة من جوف صخرة ! وفي كتاب الأفيستا أن "ثور" الإله الزرادتشي "أهورا مازدا" خرج من جوف صخرة أيضاً ! فنجد أن تلك المخلوقات أو الآلهة إما دخلت أو خرجت من الصخور أو البوابات الصخرية القديمة ، حتى في الأدب الوثني القديم نجد أن الأساطير الفارسية و الرومانية تقول أن الإله "ميترا" إله الشمس والطاقة قد خرج من صخرة ، وكانت الصخرة بمثابة أمه وكانت تُسمى "جينتركس" فلا شك أن هناك تشابهاً كبيراً بين تلك الأساطير القديمة في جميع أنحاء العالم والتي تتحدث عن دخول و خروج الآلهة عبر الصخور و البوابات الغامضة منذ آلاف السنين ، مما يعني أن لتلك البوابات معنى باطني قديم .
وأعتقد أنه عندما نريد أن نفهم هذه المواقع القديمة ومعناها الحقيقي ، يجب علينا أن نتخلى قليلاً عن الأنماط الصارمة التي وضعها العلماء و الباحثون ، فمن المؤكد أن الحضارات القديمة في جميع أنحاء العالم كانت مرتبطة مع بعضها البعض ، ومن المؤكد أن لتلك البوابات أهمية عُظمى نجهلها ، و قد يكمن الغموض تحت رمال الصحراء ، ولا تزال الآثار تنتظر إكتشافها .
• مواضيع متعلقة ..
لُغز أعمدة الرجاجيل
تماثيل عين غزال في الأردن : تصور من ؟
بوما بونكو
بحث و إعداد : رامي الثقفي
Copyright©Temple Of Mystery
التعليقات
معلومات رائعة اتمني لكم مزيد من الاذهار
موضوع جميل و شيق 👍🏻👍🏻
مرحبا استاذ رامي ...انظر كيف هي الحقيقه مدائن صالح التي بالسعوديه لاعلاقه لها بثمود .والسؤال الأهم لماذا هذه البوابات الصخرية العملاقه وهل من الضروري لتكون بوابات نجميه أن يكون لها باب صخري مغلق وتلك الحوادث التي سردتها عن دخول وخروج بعض الأشخاص والناقه من والي الصخر .....كل.ذلك يعني تكنولوجيا لانعرفها حتي الآن.....ويمكننا أن نتحدث اكثر.عن التكنولوجيا التي كان نبي الله سليمان هناك فعلا حلقه مفقوده.......انا احب معبد الغموض
اشكرك على علمك وجهودك الجباره ارفع لك قبعتي
أنا من تبوك وسمعت ان هذه المنطقة فيها كنوز ومسكونة بالجن
انا من هذي المنطقه فيه قصه محليه ان بيوم الجمعه العصر يسمعون الساكنين قريب من هذي الاثار صوت ولد ناقة صالح لان يقولون يوم قتلوا الناقة ولدها هرب واختبأ بصخره وهو الا الان يبحث عنها # م اعرف صحت القصة بس هي شائعه عندنا
رائع جداً
جزيل الشكر على هذا الموضوع والتوضيح
ممتع شييييق
بدي زورها ازا بيسمحوا !
شيق ورائع جدا وهو افضل ما قرأت عن مدائن صالح
تسلم على الموضوع متعوب عليه كثير
أحسنت بارك الله فيك
موضوع رائع والنتائج محيرة في نفس الوقت
سبحاان الله ، موضوع شيق
جميل جدا ،، قدمت الموضوع بطريقة رائعة استاذ رامي
موضوع رااائع
تصف آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن الناقة بأنها أساطير؟؟ حسبي الله ونعم الوكيل فيك !!!