صفقة مع الشيطان
نحن نعرف أن العقود و المواثيق مع الشيطان كانت ولا تزال عُنصراً مُهما في التقاليد المتعلقة بالسحر و العلوم الخفية ، فلا يُمكن أن يصبح المرء ساحراً بل وساحراً عظيماً إلا بعد أن يعقد صفقة من نوع خاص مع الشيطان ، و وفقاً لهذه التقاليد غالباً ما نجد أن الصفقة تتم بين شخص ما والشيطان على أن يُسلّم هذا الشخص روحه للشيطان ويفعل له ما يُريد مقابل أن يحصل على الكثير من المزايا والقدرات الإستثنائية ، وتختلف تلك المزايا بحسب نوع الصفقة ونوع العمل المُراد تنفيذه ، ولكنها تميل إلى أن تشمل القوة والمعرفة والقدرات الغير عادية والثروة والشهرة أو حتى الحُكم و السلطة وبالتأكيد لا تخلوا في بعضها من الإنجازات العظيمة ، وبطبيعة الحال هذه المواثيق والصفقات هي علامة على الإعتراف بسُلطة و سيادة الشيطان في تحديد المصير ، وفي المقابل نجد أن هذه الصفقات تعتبر في كثير من الأحيان من الأعمال الخطيرة للغاية لأن ثمن هذه الخدمة ربما يكون الروح أو اللعنة الأبدية .
ريتشارد كابيل
سوف نبدأ موضوعنا اليوم مع شخصية مُهمة في هذا الصدد وهو القاضي الإنجليزي "ريتشارد كابيل" الذي عاش خلال القرن السابع عشر في بروك مانور في ديفون - إنجلترا ، حيث كان هذا الشخص واحداً من مصادر الإلهام للروائي والكاتب الكبير السيد "آرثر كونان دويل" ، في الواقع أن قصة "ريتشارد كابيل" تقول أنه كان يحاول أن يصل بأي طريقة إلى الثراء الفاحش واستطاع أن يعقد صفقة مع الشيطان الذي بدوره طلب منه مقابل ذلك طلباً قاسياً وغريباً ، حيث طلب أن يقتل زوجته وكلبها أيضاً ! في الواقع كان "كابيل" في طبيعته ذو شخصية عنيفة و قاسية فطالما كان يُسيء معاملة زوجته وطالما كان يضربها ويهينها ، وعندما جاء اليوم الذي أراد فيه قتل زوجته هربت المسكينة من المنزل ولكنه لحقها حتى أمسك بها في نهاية المطاف وأرجعها إلى المنزل وقام بقتلها وقتل كلبها معها بكل دم بارد ، و مرت الأيام وأصبح كابيل رجلاً ثرياً بالفعل وامتلك عدد كبير من الأراضي والعقارات في ديفون ، الغريب أن الشيطان كان قد وعد "كابيل" بمنحه الخلود ! ومع ذلك لم تُعطى له الحياة الأبدية التي كان ينشدها و توفي في 5 يوليو عام 1677 بطريقة غريبة و مُهينه جداً ، حيث مات وهو يحاول أن يُمسك حُزمة من "السروايل البيضاء" الوهمية التي كانت تتراءى له وتتحرك من حوله بطريقة جعلت الرجل يعيش حالة من الهستيريا حتى فقد عقله و وُجد ميتاً ، وبعد وفاته تم دفنه في مقبرة أسرة آل كابيل في ديفون و يُقال بحسب أسرته أن هذه الحُزمة الشيطانية من السروايل جاءت فوق قبره بعد دفنه مرة أخرى وكان يصدر منها أصوات تُشبه عواء الذئاب ، ومنذ ذلك الحين لا يزال السُكان المحليون في ديفون في حالة رعب حقيقي من قبر "ريتشارد كابيل" ووضعوا على القبر بلاطة ضخمة و أحاطوه بقُضبان حديدية كما هو واضح في الصورة ، و حتى بعد إتخاذ هذه الإجراءات هناك تقارير وبلاغات تتحدث عن توهج للون أحمر غريب يأتي من خلال القضبان الحديدية بل إن البعض يدّعي أنه في ليالي معينة من العام تجتمع مجموعة كاملة من المخلوقات الشيطانية حول قبره ربما في محاولة للإسترداد تلك الروح الموعودة .
جسر الشيطان
ربما أن كل بلد يمتلك أسطورة "جسر الشيطان" و منطقة تيرول في النمسا ليست إستثناءاً ، حيث تفيد القصة بأنه في يوماً ما كانت هناك قرية في وادي مونتافون قد إجتاح جسرها سيل ساحق دمره تماماً ، وكان القرويون معنيّون للغاية بذلك الجسر لأنهم يعتمدون عليه في المرور من وإلى قرية شرونز على الجانب الآخر من النهر حيث كانوا يتاجرون ويبيعون ويشترون طعامهم و لوازمهم من القرية المجاورة ، وبعد هذه الكارثة قام سيد البلدة باستدعاء النجار المحلي وعرض عليه مبلغاً كبيراً من المال على أن يُعيد بناء هذا الجسر الحيوي في غضون ثلاثة أيام ، وفي الواقع أن النجار كان فقيراً جداً وهذا المبلغ من المال بالتأكيد سيجعله غنياً ، ومع ذلك رأى النجار أن بناء الجسر سيتطلب جُهداً هائلاً من العمل وأن إستكمال بناءه في ثلاثة أيام فقط يبدو مستحيلاً وتوسل النجار لسيد البلدة أن يُمهله يوم واحد فقط للتفكير ، وبقي النجار يدرس الأمر ويفكر حتى منتصف الليل وهو يبحث عن وسيلة لإعادة بناء الجسر في الوقت المُحدد ، وانتاب النجار حالة من الغضب والإنزعاج والتوتر الشديد لأنه لم يتمكن من العثور على أي حل ، وعندما كان على وشك التخلي عن الفكرة والذهاب إلى النوم ظهر له فجأة كائن صغير يرتدي قبعة خضراء في الغرفة ، وإدّعى الكائن أن بإمكانه مساعدة النجار في إكمال المُهمة في الأيام الثلاثة المُحددة بل حتى قبلها ، و لكن كان لديه شرط واحد فقط ، حيث بمجرد الإنتهاء من بناء الجسر على النجار أن يقدم له "الروح الأولى من بيته !" في الواقع لم يفهم النجار ما كان يرمي إليه ذلك الكائن الغامض ولكنه أدرك على الفور أن هذا الكائن الغريب لم يكن إلا الشيطان ، بينما كان من الواضح أن الشيطان يُريد روح زوجته أو أحد أفراد عائلته ، ومع ذلك وبإغراء من الأموال الموعودة وافق النجار على شرط الشيطان مُعتقداً أنه عندما يحين الوقت قد يجد وسيلة للتملص من ذلك الشرط الصعب والغامض ، وبالفعل بعد بثلاثة أيام فقط تم إعادة بناء الجسر بشكل كامل وعندما إكتمل البناء كان الشيطان يقف في كل ليلة في منتصف الجسر بانتظار ضحيته ، وبعد مرور عدة أيام ظهر النجار أخيراً واستبشر الشيطان فرحاً ، إلا أن النجار جاء وهو يقود "ماعز" وعندما إقترب من الجسر دفعها أمامه وقال : "إليك الروح الأولى من بيتي !" فغضب الشيطان غضباً عظيماً لأنه شعر بالخداع والإذلال ، وفي نهاية المطاف أمسك الشيطان بتلك الماعز من ذيلها وسحبها عبر الجسر وغمرها في ماء النهر واختفى عن الأنظار ، هُنا نجد أنه على غير العادة في مثل هذه الحالات أنتصر الإنسان على الشيطان بفعل جرأته و ذكاءه وبعد ذلك عاش النجار وفي حوزته أموال كثيرة تكفيه لسنوات عديدة هو و عائلته .
يوهان جورج فاوست
من عصر النهضة الألمانية مع الساحر و المنجم والخيميائي المتجول وعالم الفلك الألماني "يوهان جورج فاوست" تعرفونه بلا شك ، ولد "فاوست" في كنيتلينغن عام 1466 وعاش في هلمستدت بالقرب من هايدلبرغ أو ما يُعرف بـ كنيتلينغن اليوم ، وكما ذكرت كان "فاوست" ساحراً وخيميائياً عظيماً ، لكنه قبل ذلك كان شاباً فقيراً ولم يكن راضٍ عن حياته فقام بعمل عدد من الطقوس راجياً إستدعاء الشيطان للمُساعدة ، وبالفعل تم حضور الشيطان بشكل أو بآخر وعقد فاوست صفقة معه مقابل أن يُسلم إليه نفسه و روحه على أن يحصل "فاوست" على المعرفة المُطلقة ، وبالفعل تحقق مُراد "فاوست" حتى أنه عندما كان يسافر ويتجول بين البلدان كان برفقته "كلب أسود" دائماً ، وفي الواقع كان هذا الكلب شيطاناً حيث كان يتحول له في كثير من الأحيان إلى هيئة إنسان في شكل خادم ، و في الحقيقة أصبحت حياة "فاوست" مادة دسمة للعديد من الأعمال الأدبية المُختلفة للكثير من الكُتاّب حول العالم ، ومن أشهر الأعمال التي تناولت سيرته مسرحية فاوست لـ "يوهان فولفغانغ فون غوته" وكذلك أعمال أخرى لـ كريستوفر مارلو و توماس مان و أوسكار وايلد وغيرهم ، أخيراً توفي فاوست في عام 1540 بسبب إنفجار عنيف لتجربة خيميائية في بلدة ستوفين إم بريسغاو ، وقد تم العثور على جثته في حالة مشوهة جداً بشكل غريب ومُحير في ذات الوقت ، حتى أن بعض المُقربين من "فاوست" لم يستيطعوا التعرف على جثته وبطبيعة الحال نُسب ذلك التشويه والإنفجار الذي أودى بحياة الساحر الشهير إلى الشيطان .
كريستوف هايزمان
الآن مع واحد من أشهر المتعاملين مع الشيطان في القرون المتأخرة وهو الرسام النمساوي "كريستوف هايزمان" وفي الواقع هو شخصية غامضة ومثيرة للإهتمام وتستحق التأمل والدراسة ، وعلى أية حال ولد "هايزمان" في تراونشتاين - بافاريا في عام 1651 وكما ذكرت كان كريستوف هايزمان شخصية غامضة و لا نعرف إلا القليل عن حياته و مع ذلك تبقى قصته معروفة للباحثين والدارسين في علم الشياطين ، و قبل عام 1677 كان كريستوف رساماً فقيراً وعندما فقد أحد والديه قرر الإتصال بعالم الأرواح ويبدو أن هذا الطريق قد أوصله إلى عالم الجنّ والشياطين بشكل أو بآخر و باع روحه إلى الشيطان في عام 1669 عن طريق عقد إتفاقيتين وليس إتفاقية واحدة ، كانت واحدة منها مكتوبة بالحبر والأخرى مكتوبة بدمه مُقابل أن يعطيه الشيطان الحماية و الشهرة والمال ، على أن يلتزم بما يُمليه الشيطان لمدة 9 سنوات ، و بعد ذلك كانت روح "هايزمان" تنتمي إلى الشيطان بشكل كامل باعترافه شخصياً وعندما جاء عام 1677 كانت الصفقتين مستحقة و بقي منها عام كامل لكن "هايزمان" أصبح قلقاً ومريضاً وشعر بالندم والخوف وأراد فسخ الإتفاقية وقام بزيارة الكنيسة في ماريازيل ، و أجريت عليه عدة جلسات لطرد الأرواح الشريرة ، و بعد نجاح عمليات التطهير تعرض للعديد من الهجمات الشيطانية التي كادت أن تفقده حياته ، وعلى الرغم من أن "هايزمان" كان يقوم برسم الشيطان في لوحاته كما هو واضح في الصورة حيث أنها من أحدى لوحاته ، وطالما كان يُظهر الشيطان بمظهر القوة وعلى أنه كائن جيّد ، إلا أنه في إحدى لوحاته الأخيرة رسم شكلاً من الإتفاق المكتوب بينه وبين الشيطان وهو يوقع على الإتفاق بالحبر وبعد ذلك يظهر له الشيطان مرة أخرى و يُجبره على عقد إتفاق آخر يكتبه بدمه ولكن مريم العذراء تظهر و تتجلى وتجبر الشيطان على المغادرة ، وفي نهاية المطاف توفي هايزمان في عام 1700 في دير ميتاو في بوهيميا التشيكية .
روبرت جونسون
كان "روبرت جونسون" موسيقي ومغني وكاتب أغاني أمريكي ، و كانت قدرته على العزف على الجيتار غير طبيعية ولا يزال يعتبر من بين أعظم عازفي الجيتار عبر التاريخ ، الغريب في الأمر أن "جونسون" لم تكن له مهارة في العزف على الجيتار في طفولته ولم يكن له موهبة حقيقية في مراهقته ، فجأة بين يوم وليلة أصبح يتقن العزف على هذه الآلة في سن الـ18 و كانت معرفته السريعة على العزف لا يُمكن تفسيرها ومع هذه الخصوصية الحميمة وجد الكثيرون أن التفسير الوحيد لذلك كان "الشيطان" ووفقاً للقصة كان جونسون شاب عادي و فقير يعيش على مزرعة في ريف الميسيسيبي وكان لديه رغبة كبيرة ليصبح واحداً من عظماء موسيقي البلوز ، كانت هذه الرغبة كبيرة جداً عند "جونسون" و جعلته يعقد صفقة مع الشيطان في مفترق طرق قريب من منزله ، وفي السنوات التالية أصبح جونسون موسيقياً متجولاً يتحرك من مكان إلى آخر يلعب بالجيتاره ويحصل على الكثير من الأموال و سُرعان ما ذاع صيته و بعد ذلك سجل عدداً من الأغاني التي لا تزال خالدة عند مُحبي موسيقى البلوز ، و يقول البعض أن هناك تلميحات واضحة إلى ذلك الميثاق الشيطاني بين "جونسون" و الشيطان يُمكن العثور عليها في العديد من أغانيه الخاصة بما في ذلك أغنية "الصليب طريق البلوز" وأغنية "أنا والشيطان" و في نهاية المطاف توفي جونسون في ظروف غامضة في عام 1938 وفي سن مبكرة أيضاً حيث توفي في سن 27 عاماً فقط ، ولا أحد يعرف كيف مات أو سبب موته ولا تزال ملابسات وفاته لغزاً طبياً غامضاً ومع ذلك بقيت ذكراه حاضرة حتى هذا اليوم و إسمه مُسجل بأحرف من ذهب مع قائمة المشاهير في قاعة البلوز ، أخيراً في هذا الصدد اتساءل ماهو سرّ الرقم 27 الذي قضى فيه بعض من الموسيقيين العظماء الآخرين ، حيث نجد أن هؤلاء قد صعد نجمهم فجأة وماتوا جميعاً في ظروف غامضة وجميعهم توفوا في عمر الـ 27 سواء كان روبرت جونسون أو جيمي هاندريكس و كورت كوبين و جيم موريسون وحتى إيمي واينهاوس ، فهل عقد هؤلاء أيضاً صفقة مع الشيطان ؟ إلى اللقاء .
بحث و إعداد : رامي الثقفي
Copyright©Temple Of Mystery
التعليقات
رائع وجميل ..
موضوع رائع
فعلا قصص مثيرة
يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا .. صدق الله العظيم .. شكرااستاذ رامي على مواضيعك المتميزة
قصة النجار وشيطان الجسر اتمنى لو انعملت فيلم ،، استمتعت في القراءة الموضوع شيق جدا
موضوع قمة ممتع جدا شكرا لكم
موضوع رائع كالعادة ، تسلم الأنامل
عجيب ... الشخصية الاولى مرعبة جدا .... شكرا استاذ
رووووعات
بصراحة موضوع رائع ومتميز ، بس معقول ايمي وينهاوس عملت هيك ! فعلا ماتت فجأه بعمر 27
موضوع جميل ، كل القصص رااائعة ، اعجبني النجار كيف عمل مع الشيطان ههههه
شكرا جزيلا لكم على هذه المواضيع الرائعة
مواضيعكم قمة الروعة يا استاذ رامي ، شكرا لكم