لُغز غابة الأحجار في بلغاريا
يحيط ببعض المواقع على سطح الأرض الكثير من الغموض ، من ناحية يجعلنا نتسائل حول طبيعة هذه الأرض وغموض الطبيعة ، ومن ناحية يجعلنا نتسائل حول طبيعة من عاشوا في هذه المواقع وعلى هذه الأرض منذ ما قبل آدم إلى ما نحن عليه ، إضافة لمئات المواقع الأثرية الغامضة والغريبة على سطح الأرض فعلى الساحل الشرقي من بلغاريا ، وبالقرب من مدينة فارنا ، يقع تشكيل صخري غريب جداً يُحيط فيه الكثير من الغموض ، أحجار ضخمة منتصبة وقائمة وكأنها غابة ولكن من الأحجار الضخمة ، أعطيت هذه الحجارة أسماء عديدة وتعرف بإسمها الأشهر في البلغارية Pobiti Kamani أو "الحجارة المبرمة" أو "الغابة الحجرية القديمة".
غابة الأحجار القديمة
تُغطي هذه الأعمدة الحجرية مساحة تقدر بخمسين كيلو متر مربع ، وقد نشأت العديد من الأساطير على مر الوقت لشرح أو تفسير طبيعة الغابة الحجرية ، فقد عزا المستوطنين هذه الأعمال لقوى "خارقة للطبيعة" أو للآلهة ، كما يعتقد بعض المستوطنين في وقت مبكر أنه هذه الأعمال الإسطوانية الضخمة من صنع "العماليق" الذين كانوا يعملون في بناء مدينة بليسكا التاريخية آن ذاك وهي كانت عاصمة للدولة البلغارية الأولى بين عامي 681 و 893 ، اقرأ "العماليق بين المعتقد والأسطورة" هُنا ، وفي أيام الإمبراطورية البلغارية القديمة كان الناس يعتقدون أن وجود هذه الأعمدة البعيدة عن الطبيعة واصطفافها بهذا الشكل الغريب يُشير إلى غرض أو تصميم يبدو متعمداً خصوصاً أنها أعمدة حجرية بركائز جوفاء ، ربما أنها قد كانت مكاناً مقدساً قديماً أو معبداً عظيم الشأن في ذلك الوقت ، وتشير بعض الأساطير أن تلك الركائز الحجرية الغامضة تشكل معبد بوسيدون Ποσειδών إله البحر في الميثولوجيا الإغريقية التي تقع على ساحل البحر الأسود ! وقد كلفت أول دراسة متعمقة على الغابة الأحفورية في عام 1828 من قبل الجنرال الروسي "ايفان ديبتش" الذي زار الموقع وأصبح مفتوناً بتلك الحجارة وأصولها المحتملة ، كما قد زار الموقع في وقت لاحق العالم الجيولوجي الإنجليزي "وليام هاملتون" في عام 1854 وقد افترض هاملتون أن الحجارة كانت من "عمل البحر" وهي عمل طبيعي من مياة البحر الذي شكلها بتلك الطريقة عبر الآف السنين ، كما أن المسح الجيولوجي للمنطقة عزز هذه النظرية ، وتُبين أن تلك المنطقة كلها كانت في يوم ما يُغطيها البحر الأسود ، فهل من الممكن أن تكون الصدفة وعوامل التعرية ومياة البحار عبر الآف السنين قد شكلت كل تلك الأعمدة الحجرية الضخمة على مساحة قدرها خمسين كيلو متر مربع وكان ذلك سبباً في جعل كل هذه الحجارة اسطوانية الشكل جوفاء من الداخل ! وحتى في عام 1937 تم تعيين هذا الموقع كمعلم طبيعي على الرغم من طبيعته الغريبة التي تحتمل الكثير من الإفتراضات ، وبطبيعة الحال اجتذب المكان العديد من العلماء الجيولوجيين من مختلف أنحاء العالم وقدموا الكثير من الفرضيات حول تلك الأحجار التي تشكل الأعمدة بهذا الشكل الفريد والغامض ، وبالنسبة لأوصاف الأعمدة الحجرية فهي توصف بأن لها شكل اسطواني ومجوف من الداخل ، كما أن بعض الحجارة مليئة بالرمل يصل طول بعضها في الإرتفاع إلى خمس أو ستة أو حتى سبعة أمتار ، وقد أطلقت العديد من الأسماء على بعض الأعمدة الحجرية ، واشهرها ما يُطلق عليه "عمود الجندي" أو "عمود الرجل طويل القامة" الذي يحوي بداخلة على ممر طبيعي مقوس الشكل يرتبط بتقليد قديم يُزعم أن المرور عبر هذا النفق "يجلب الحظ" وحتى اليوم ما زال يُسن هذا الطقس من قبل زوار الموقع ، ويزعم بعض الباحثين أن عند رؤية الغابة الحجرية للوهلة الأولى من بعيد تبدو وكأنها "تجمع بشري" أو تماثيل مجتمعة ، وعند الوقف بجانبها تبدو وكأنها "وجوه بشرية" تُطل إلى الأسفل و تحدق إليك ، فهل من الممكن أن تكون هذه الأعمدة هي بقايا تماثيل حدث لها تآكل بفعل عوامل التعرية وأصبحت تشكل أشكالاً للناس في ظاهرة باريدوليا !؟ أو أن هذه الأحجار الضخمة قد صنعت بفعل العماليق في العصور القديمة أو كانت في الماضي معبداً أو مبناً ضخماً ذو أهمية فلكية على غرار ستونهنغ في بريطانيا ؟
فرضيات و نظريات التفسير
هناك عدد من النظريات بشأن أصول الأعمدة ، وتنقسم النظريات إلى مجموعتين : نظريات عضوية و نظريات معدنية ، ووفقاً للنظرية المعدنية قام الباحثين الجيولوجيين "الشقيقين" بيتر وستيفان غوتشيف بدراسة هذه المنطقة وتكوين نظرية تُعرف بإسم النظرية "المعدنية" وقدّروا أن هذه المنطقة يعود تاريخها على أقل تقدير إلى ما قبل 50 مليون سنة في المرحلة التي كانت بلغاريا ورومانيا في قاع البحر ، كما يعتقدون أن المنطقة تشكلت في عصر حقب الحياة الحديثة ، وقد تشكلت بهذه الطريقة بسبب ضغط رواسب البحر على طبقات الحجر الجيري مما أدى إلى تصلب قشرة الحجر ، والإفراج عن الغازات على شكل فقاعات في فترات زمنية طويلة تقدر بملايين السنين وبسبب ذلك تشكلت تلك الأعمدة الحجرية الضخمة .
نظرية "الإخوة غوتشيف" جعلت من هذه المنطقة معروفة بشكل جيد في أوروبا مما جعل العديد من الخبراء المتحمسين للنظرية المعدنية المنصوص عليها يقومون بإجراء دراسات جديدة في المنطقة وعلى تلك الأحجار ، وبعضهم قال أن هذه الأعمدة تعود إلى عصر الإيوسين وهي فترة امتدت من 56 إلى 34 مليون سنة مضت وهي الفترة الثانية من عصر الباليوجين للزمن البيولوجي ، وقاموا بشرح تشكيل الأعمدة الحجرية عن طريق النشاط المرجاني العضوي في تلك الفترة ، وتشير بعض الملاحظات الميدانية و دراسة النظائر الجيوكيميائية والبتروغرافية إلى أن هذه الأعمدة تمثل ظاهرة استثنائية ونادرة في نظام "تسرب باليو-الهيدروكربونية" وهذا التسريب بالكربونات حالياً قيد الدراسة من قبل الباحثين والخبراء ، كما أن المنطقة مازالت مشروع بحوث جارية من قبل معهد "فارنا" لعلم المحيطات وجامعة لوفان وتبقى موضوعا ومكاناً مثيراً للدراسة والبحث في معهد فارنا لعلم المحيطات بالإشتراك مع باحثين من مختبر البيولوجيا الأرضية من جامعة غوتنغن وجامعة لوفين وجامعة بولونيا وبعض من كبار الباحثين الجيولوجيين في أوروبا وهم يعملون الآن في دراسة المكان لعلهم يجيبون "ربما" على الحل النهائي في لُغز غابة الأحجار في بلغاريا .
شاهد غابة الأحجار في بلغاريا
بحث وإعداد : ياسمين عبد الكريم
Copyright©Temple Of Mystery
التعليقات
معهد فارنا من اعظم معاهد البحوث الشهيره ..ربما يصلوا الي حقيقه لغز الاحجار اتمني لكِ دوام التقدم اخت ياسمين
بالفعل موضوع مثير جداً .. يعطيك العافية
معلومات قيمة و نادرة تشير إلى كفاءة الموقع و حسن تنظيمه . صراحة موقع أصبحت مدمنا عليه و مهوسا من أجل البحث عن الحقيقة
انت تملكين القدره في البحث وستجدين الحقيقة باْذن الله وربما للتمكين حينها اي توقعات فقط تبكين منها بعد ذلك فتزدادين روعه وثقه وسعاده فقط الحقيقه وهي دوما متواضعه ونقيه كوضوح كلماتك ربما الموجات الصادره من الفضا تحكي لنا قصه الأحجار قبل خمسين مليون سنه فالطاقة لاتفني ولاتستحدث وكل مانفعله ويحدث يبقي طاقه موجيه شي دي لحين اكتشافه وما يبقي بالارض هو المعالم وهي كل مانملك وربما للوهلة الأولي تبدو تجمعا بشريا عملاقا وتبدو وجوه بشريه تماما كالأحجار التي بالمريخ والتي قامت ناسا بتصويرها وبدت كوجه بشري او احفوريات ًوربما ضغط الغازات والرواسب البحريه بالاعماق لكنها مغلقه من اعلي وتبدو كقطع مبنيه وذو تجمع ملفت ان أحب معبد الغموض
اكتشاف مثير جدا
جميل جدا ، وما اكثر الغرائب في عالمنا والجميل أن يتناولها المعبد في مقالات مليئة بالإثارة والتشويق ألف شكر أستاذ رامي أنت والأستاذة ياسمين على اختياراتك الموفقة دائما. نحن ننتظر ما تجود به أناملك ، دمت سالما
جميل جدا شكرا ونريد المزيد
شكرآ وننتظر جديدكم
شكرا وبارك الله فيكم على الأبحاث والمعلومات القيمة
اعتقد انها أنقاض مدينة تاريخية تدمرت بسبب الطوفان
موضوع رائع وجديد خاصة للمهتمين بالآثار التاريخية الغامضة ، شكرا لكم
جميل جدا شكرا على الموضوع لأول مره اتعرف على هذا المكان
أنا أرجح فرضية العماليق
قد تكون مدمرة حل عليها غضب الله والله اعلم
انه حقا مقال مثير للإهتمام لا سيما وأنه يتحدث عن كون المنطقة مغمورة بالماء يوما ما..وقد لفت نظري الحديث عن العماليق و كيف انهم ربما هم من قاموا ببنائها، ولا أدري لماذا ذهب خيالي الی عهد الديناصورات و تبادر الی ذهني السؤال التالي: ماذا لو ان حجم الانسان قد تفلص مع الزمن و بالتحديد بعد الإنفجار العظيم ليتأقلم مع الحياة الحالية؟ اي ماذا لو كانت الديناصورات فيما مضی بمثابة حيوانات عادية لمن عاشوا في ذلك الوقت تماما شأنها شأن الفيلة او الأسود في أيامنا هذه؟ ههه..وبالعودة الی مقال فلا أظن ان هذه الأعمدة هي معبد والا كنا سنجد علی الأقل نقوش و رموز او اي شيء يدل علی ذلك..كما أنني لا اميل لفرضية انها تماثيل تآكلت بفعل عوامل التعرية لأنه لو كان كذلك، فلكانت تماثيل جزيرة الفصح، الأسبق الی التفتت و اختفاء ملامحها، أليس كذلك؟... في جميع الأحوال فإن هذا المقال حقا مثير للإهتمام حيث أنه يستهويني معرفة كل ما يرتبط بالحضارات القديمة من صخور و تماثيل و معابد و حتی نقوشات و الغاز...شكرا جزيلا علی هذا المقال و بالتوفيق دوما ...