• Search
  • Menu


الإسكندر الأكبر : ورحلة البحث عن ماء الحياة

رامي الثقفي    أضيف بتاريخ : 2022-02-01 15:42:14    عدد الزيارات : 5455 زيارة


رجل مثل الإسكندر الأكبر سافر إلى العديد من المُدن والأراضي عبر العالم لا بد أنه رأى أماكن رائعة وغريبة كثيرة والتقى بأناس غير عاديين ، ومن الواضح كذلك أن تعليم أرسطو للإسكندر الأكبر كان قد أثّر على الحاكم المقدوني القديم ربما أكثر مما يدرك هو بنفسه ، على الرغم من أنه لم يتّبع المسار الذي أشار إليه الفيلسوف اليوناني القديم ، إلا أنه قد أخذ من أرسطو نظرة ثاقبة لأعمق أسرار الطبيعة والحياة .

لقد تم توثيق تاريخ الإسكندر الأكبر بشكل جيّد للغاية ، ونحن على دراية بإنجازاته العسكرية وحتى بعض الإخفاقات ، قلة هم الذين يستطيعون إنكار أن الإسكندر الأكبر كان ملكاً ومحارباً عظيماً ، ومع ذلك هناك جوانب أخرى من شخصيته المُحيرة لا تزال يكتنفها الغموض .

وعلى الرغم من أن الإسكندر الأكبر كان شجاعاً في ساحة المعركة ، ولكنه كإنسان كانت لديه مخاوف خاصة لم يستطع التغلب عليها ، حيث قادته تلك المخاوف إلى البحث عن أحد أثمن وأندر الكنوز التي يُمكن أن يكتشفها الإنسان ، على الرغم من أنه "منطقياً" لم يكن بالإمكان العثور على ذلك الشيء الذي كان يبحث عنه أبداً ، لكن الملك المقدوني القديم كان مثابراً جداً وإذا وضع برأسه شيء سيفعله ولا يتزحزح عنه وعن تنفيذه على الإطلاق .

 نحن نعلم أن الإسكندر الأكبر مات في بابل عام 323 قبل الميلاد ، و في هذه المدينة القديمة واجه الإسكندر الأكبر لقاءاً غامضاً غير مُفسر ناقشه عدد قليل من المؤرخين ، فما الذي شهده الإسكندر الأكبر حقاً في بابل ؟ وكيف شكّل ذلك اللقاء الغامض حياته ؟ وما هو الكنز القديم الذي بحث عنه ؟ .

نبوؤة كاهنة دلفي

مثل مُعظم الشخصيات التاريخية العظيمة ، أراد الإسكندر الأكبر أن يترك إرثاً دائماً له على الأرض ، فبعد فترة وجيزة من تتويجه ملكاً على مقدونيا ، سافر المُحارب الشاب إلى كاهنة شهيرة في ذلك الوقت وهي "كاهنة دلفي" التي قالت له شيئاً لم يحبه ، وكما نعلم أنه في اليونان القديمة ، كانت المعابد مُقدسة ، وكان الناس يؤمنون بالكهنة وبأنهم كانوا يتلّقون توجيهات من الآلهة نفسها على شكل إشارات أو رسائل بمثابة نبوءات ، ومثل هؤلاء الكهنة وتلك المعابد العظيمة لابد أنها كانت تُمثّل مراكز مُهمة للغاية يزورها آلاف الناس من الأفراد والناس العاديين إلى القادة والملوك كلما كانت هناك رغبة في الحصول على إتصال إلهي .

وقد كانت بيثيا "كاهنة  دلفي" تجلس دائماً في حالة من النشوة الروحية في معبدها ، وتتحدث نيابة عن الآلهة ، و تقدم نبوءاتها ونصائحها للحُكام والمواطنين والفلاسفة على حد سواء ، في كل شيء ، من حياتهم الجنسية إلى شؤون الدولة .

وعندما قام الإسكندر بزيارة كاهنة دلفي ، تنبأت له بأنه سيصبح مشهوراً جداً ويُخلد ذكره على الأرض إلى أبد الآبدين ، ولكنه سيموت في سنّ مُبكرة من حياته ، كانت هذه النبوءة مروعة حقاً للإسكندر ، حيث قرر تغيير مصيره ، لكن هل كان ذلك مُمكناً ؟

ميل الإسكندر الأكبر إلى التصديق بأنه من نسل الآلهة !

في الواقع أن تلك النبوءة التي سمعها الإسكندر من الكاهنة عملت على زيادة إيمانه بالإشاعات التي كانت منتشرة في البلاط المقدوني آنذاك ، والتي بموجبها لم يكن فيليب الثاني والده الحقيقي ، لكنه كان إبن فرعون مصري يُسمى "نكتانبوس" الذي زار البلاط المقدوني وأغوى سراً "أوليمبياس" والدة الإسكندر ، حيث أن ذلك الفرعون كان ساحراً وملكاً في نفس الوقت ، هكذا ذهبت الإشاعات والأحاديث...

بل أن بعض الشائعات كانت تقول أن الفرعون المصري "نكتانبوس" كان هو نفسه الإله المصري القديم آمون ، الذي تنكر في زي إنسان ودخل على أوليمبياس من أجل أن يُنجب الفاتح المستقبلي للعالم .

في مايو عام 334 قبل الميلاد ، بدأ الإسكندر الأكبر غزواته ضد الإمبراطورية الفارسية وهزم داريوس الثالث آخر ملوك الإمبراطورية الأخمينية في معركة جرانيكوس ، وفي الواقع كان انتصار الإسكندر الساحق على الفُرس موضع ترحيب في مصر القديمة ، حيث لم تعد الإمبراطورية الفارسية مملكة مُهيمنة على مصر بعد ذلك ، حيث غزا الفرس المصريين القدماء في أوقات سابقة ، لذلك عندما دخل الإسكندر الأكبر إلى مصر ، رأى الناس أنه بمثابة البطل والمُحرر العظيم ، الذي حرر المصريين من سنوات عديدة من القمع الوحشي على يد الإمبراطورية الفارسية ، وفي خريف عام 332 قبل الميلاد ، تم تتويج الإسكندر الأكبر فرعوناً على "ممفيس" أو "منف" في مصر القديمة وهو يبلغ من العمر 24 عاماً فقط ، وزار معبد آمون في الصحراء الغربية لمصر على مقربة من الحدود الليبية ، وأطلق المصريين عليه "الفاتح المقدوني العظيم إبن الإله آمون" وفي الواقع أن هذا كان لقباً خاصاً جداً ، لأن آمون كان يُعبد باعتباره إله الخلق المصري ، بل هو ملك وأله كل الآلهة في مصر القديمة والأب الروحي لجميع الملوك الفراعنة .

وبعد أن مُنح الإسكندر مكانة إلهية ، أصابه شعور بأنه رجل لا يُقهر ، وأراد أن يصبح خالداً ، فنبوؤة كاهنة دلفي لا تزال في رأسه ، حيث سمع عن "ماء الحياة" وأراد البحث عنها حتى أن يجدها ! وفي الواقع ، من غير المؤكد كيف علم الإسكندر عن ماء الحياة ، ولكن لن يكون من الخطأ أن نفترض أنه سمع عنها من خلال معلمه أرسطو ، فقرر البحث في النهاية عن تلك الماء التي ستمنحه الخلود .

رحلة البحث عن الخلود

وفي رحلة بحثه عن الخلود ، ذهب الإسكندر إلى أماكن غريبة وعجيبة حتى وصل من خلال تلك الرحلة إلى أماكن تحت الأرض كانت مليئة بالكائنات الغريبة والشياطين ، ومضى في طريقه حتى وصل إلى أرض الظلام ، ليجد هناك جبلًا يسمى جبل موشا ، وعلى حافة الجبل ترك رفاقه القلائل الذين كان يثق بهم ثم مضى بمفرده ، حيث إتبع "طريقاً مُظلماً مستقيماً ليس له جدار ، لا مكان مرتفع فيه أو منخفض " وسار هناك اثني عشر يوماً واثني عشر ليلة ، وعندها "أدرك بريق كائن مُخيف" ومع اقترابه ، أصبح الإشعاع "ناراً مشتعلة" وأدرك الإسكندر الآن أنه في "الجبل المُقدس الذي يُحيط به كل العالم ".

وفي حديثه إلى الإسكندر من النار المُشتعلة ، سأله الكائن : "من أنت ، ولماذا أنت هنا ، أيها الفاني ؟" وتساءل كيف تمكّن الإسكندر من إختراق هذا الظلام الذي لم يستطع أي إنسان آخر فعله ! حيث أوضح الإسكندر له أن الله نفسه قد هداه وأعطاه القوة للوصول إلى هذا المكان حيث يبحث عن ماء الحياة ، لكن الكائن أخبره أن ماء الحياة في مكان آخر ، ومن يشرب منها قطرة واحدة فلن يموت أبداً".

خرج الإسكندر من ذلك المكان وهو لا يزال عازماً على العثور على " ماء الحياة" ، وأدرك أنه يحتاج إلى "عالم عظيم" يعرف مثل هذه الأسرار ، وبعد الكثير من الجهد والبحث تم العثور على مثل هذا الرجل ، فارتحل الإسكندر مع ذلك الرجل في رحلة طويلة ، وقعت فيها الكثير من الأحداث والمغامرات التي كان بها الكثير من العجائب والمعاجز المُدهشة ، حتى إقتربوا من الوصول إلى المكان المنشود .

وفي إحدى الليالي ، كان الإسكندر نائماً ، فخرج الرجل الذي كان معه وسار حتى وصل إلى نافورة جوفية منثوراً حولها أحجار الزمرد والياقوت الأزرق ، وللتأكد من أنها تلك الماء ، كان لديه سمكة مُجففة ميتة ، وبينما كان الإسكندر يغط في نوم عميق ، إختبر المُرشد الماء برمي السمكة الميته بها ، وفجأة عادت السمكة إلى الحياة ، ثم نزع ثيابه وانغمس هو بنفسه في المياه ، ليصبح لون جلده أخضر ، وبالتالي أصبح "الخضر" الذي يعني "الدائم الخضرة" ذلك الشاب الخالد الذي لا يموت في الأساطير العربية والثقافة الإسلامية .

وعندما إستيقظ الإسكندر هرع مهرولاً يبحث عن الرجل ، فاستوقفته طيور ضخمة بملامح بشرية وأغلقا عليه الطريق وأعلنوا أن "الأرض التي تقيم فيها لله " ولن تستطيع أن تدخلها ، و بعد أن أدرك الإكسندر أنه لم يعد بمقدوره أن يغير مصيره ، تخلى عن فكرة البحث عن الخلود ، وبدلاً من ذلك بدأ في بناء مُدن تحمل إسمه قبل أن يموت ، وبالتالي سيبقى في الذاكرة إلى الأبد ، بالضبط كما تنبأت له كاهنة دلفي ، حيث مات شاباً بالفعل وهو لا يتجاوز الـ 32 عاماً .

أخيراً أحب أن اقول أن التفاصيل العديدة في البحث عن قصة الإسكندر أجدها تتطابق كثيراً مع تلك التي قام بها جلجامش في ملحمته الشهيرة ، سواء من حيث الموقع ، أو إسم الجبل والفترة ، بل حتى الطيور المُجنحة وقصة الرجل الذي غطس في ماء الحياة ليصبح لونه أخضراً ، وبغض النظر عن ذلك كانت دائماً الرغبة في الشباب الأبدي أو الخلود نراها في قصص قديمة جداً ، وهي أساطير معروفة في العديد من الثقافات منذ آلاف السنين وتمثل فكرة شائعة في مختلف الأساطير والأديان .

وحتى إن إعتقد أغلب الناس أن ماء الحياة ليست إلا مجرد أسطورة رائعة ، إلا أن هناك عدد لا يحصى من النصوص القديمة التي تصف مكاناً غامضاً به خصائص سحرية ومياة تمنح الإنسان الخلود .

 

كتبه : رامي الثقفي - Templeofmystery.com

حقوق النشر © templeofmystery.com جميع الحقوق محفوظة لموقع معبد الغموض ، لا يجوز نشر هذه المواضيع والأبحاث و المقالات أو إعادة كتابتها أو إعادة نشرها أو توزيعها كليًا أو جزئيًا دون إذن كتابي صريح من templeofmystery.com

Copyright©TempleOfMystery.com

التعليقات

  • جوري

    لايوجد اجمل من مواضيعك رامي

  • sufian

    بحث ثري وجميل نتمنى عدم الانقطاع

  • هاني

    مواضبع قيمة

  • مؤيد

    أستاذ رامي اتمنى ان أتواصل معك

  • Aziz

    افضل موقع عربي شكراعلى الفائدة

  • ماجدة

    ارفع لكم القبعه مع الشكر والامتنان على بحثكم الثري والقيم 🙏…

  • جساس

    ياله من موضوع رائع !

  • محمد

    موضوع شيق وجميل

أضف تعليقك


من فضلك أدخل الاسم

من فضلك ادخل نص التعليق