رينيه ديكارت : كيف نعلم أننا لا نحلم ؟
رامي الثقفي أضيف بتاريخ : 2018-01-16 10:14:25 عدد الزيارات : 8817 زيارة |
رينيه ديكارت
لبعض التفاصيل عن هذا العالم و الفيلسوف العظيم فقد ولد "رينيه ديكارت" في "تورين" بفرنسا في عام 1596 و فارق الحياة في عام 1650 في عُمر لا يزيد عن 54 عاماً للأسف ، وفي الواقع أنه فيلسوف عظيم و عالم فيزياء و رياضيات عبقري بشكل مُلفت ، ببساطة إنه عالم كبير و مؤثر للغاية ، فقد كان ولا يزال يُطلق عليه "أبو الفلسفة الغربية الحديثة" ونجد أن الكثير من الأطروحات الفلسفية في العالم أغلبها جائت من بعده ، أو كانت مستوحاه منه ، وهي لا تزال تُدّرس إلى اليوم في أغلب الجامعات و كليات الفلسفة حول العالم ، رينيه ديكارت هو صاحب نظام الإحداثيات الديكارتية ، وهو نظام رياضي مُعقد شكل النواة الأساسية لعلم الهندسة التحليلية ، فليس هناك شك في أنه كان مُفكراً علمياً كبيراً ، والكثير من العقلانيون في العالم ينتسبون إلى مذهبه العقلاني ، فهو يعتبر والد "المذهب العقلاني" على الرغم أن نظريته التي نتحدث عنها اليوم تبدو غير عقلانية بالمرّه ! و هو صاحب المقولة الشهيرة : "أنا أفكر ، إذاً أنا موجود" و في الواقع أن العديد من أفكاره كانت ولا تزال مثيرة جداً للإهتمام ، وهي تجعلنا نتساءل عن طبيعة وجودنا ، و طبيعة الواقع الذي نعيش فيه .
فرضية الحُلم عند ديكارت
هي واحدة من أغرب الفرضيات التي يُمكن أن تعرفها ، ومع ذلك نجد أن فرضية الحلم لـ ديكارت يدعمها بعض العلماء الكبار ، فـ ديكارت يقول : "من خلال حواسي أعلم أنني أدرك ما حولي ، و لكنني وجدت في بعض الأحيان أنها قد خدعتني ، فمن غير الحكمة أن نثق تماماً في أولئك الذين خدعونا ولو لمرة واحدة" و يقول كذلك ، إذا ثبت أن الحواس ليست محل ثقة في أحيان فكيف لنا أن نثق بها في كل الأحيان ؟ وكتب رينيه ديكارت في تأملاته في الفلسفة الأولى : "كما لو أني كنت نائماً في الليل و أحلم بانتظام بالتجارب نفسها حين أعتقد أنني كنت مستيقظاً ، كم مرة وأنا نائم أحلم بمثل هذه الأحداث المألوفة ، ربما أعتقد أنني مستيقظاً الآن ، عيني مفتوحة ، أنظر إلى هذه القطعة من الورق ، أهز رأسي ، أنا ليست نائماً ، أنا أعرف ما أفعله ، هذا يحدث في الحلم أيضاً ، قد أخدع بأفكار مُماثلة في حين قد أكون نائماً ! بدأت أرى بوضوح أنه لا توجد أبداً أي علامات مؤكدة يُمكن من خلالها أن تُميّز بين أن تكون مُستيقظاً أو نائماً ، والنتيجة هي أنني أشعر بالذهول ، وهذا الشعور نفسه يُعزز فقط فكرة أنني قد أكون نائماً" إذاً فإن "ديكارت" يعني أن الأحلام لا يُمكن تمييزها عن عالم اليقظة ، لأن لدينا في كثير من الأحيان هذه الأنواع من التجارب عندما نحلم ، أي التجارب التي نألفها فيما نعتقد أننا مستيقظون ، فالكثير من الناس الذين يحلمون لا يدركون أنهم يحلمون ويظنون أنهم في عالم اليقظة ، والعكس بالعكس ، في الواقع أنها مسألة معُقدة للغاية ، و مسألة الأحلام قد إحتلت عقول العديد من الفلاسفة العظماء قبل ديكارت ، كـ "أفلاطون" و "أرسطو" الذين تساءلوا أيضاً عن ما إذا كان المرء يُمكن أن يكون في الواقع يحلم باستمرار بدلاً من أن يكون مُستيقظاً ، أي تعقيد هذا ؟ لا أريد أن أتشكك في الأمر أنا أيضاً و اتساءل ؟ هل الحياة عبارة عن حُلم ؟ ربما ؟ .
هل المعرفة مُكتسبة من خلال حواسنا أو من خلال تطبيق السبب ؟
في الحقيقة قد يتفاجأ البعض منكم أن بعض العلماء في العصر الحديث قد قرروا أن البشر يُمكن أن يكون لديهم بين 9 إلى 21 من الحواس في المجموع ! وليس 5 حواس فقط ، ففكرة أن البشر لديهم خمسة حواس فقط في التصنيف التقليدي المعروف : البصر و الرائحة و الذوق و اللمس والسمع لا يعتقد فيها حتى بعض العلماء والفلاسفة القدماء ، ويعود الفضل لهذا الأمر إلى العالم والفيلسوف اليوناني القديم أرسطو 384 - 322 قبل الميلاد ، فإذا كان لدينا الكثير من الحواس هل من المُمكن أنها جميعاً قد تخدعنا ؟ وفي الواقع نجد أن بعض العلماء في العصر الحديث يؤيد فرضية "ديكارات" بأننا نحلم ، وأنها قد تكون أكثر إقناعاً الآن من الماضي ، وهناك أيضاً نظرية تقول بأننا نرى فقط لمحات للواقع الذي نعيش فيه لأننا نعيش في سجن مفاهيمي ، ولكن السؤال كيف يُمكن أن نكتسب المعرفة ؟ الجواب الطبيعي لهذا السؤال هو من خلال حواسنا أليس كذلك ؟ ومع ذلك نجد أن ديكارت لا يثق في المعلومات الواردة من خلال الحواس ، و يعتقد أن المعرفة المُكتسبة تأتي من خلال تطبيق العقل الخالص .
هل ديكارت يناقض نفسه ؟
كما قلت أعلاه كانت واحدة من أشهر العبارات التي أدلى بها ديكارت هي "أنا أفكر إذاً أنا موجود" فوفقاً لديكارت التفكير كفعل يُقدم دليلاً على الوجود الإنساني الفردي ، فكل الفكر يجب أن يكون له مصدر ، ويجب أن يكون هناك "أنا" موجود للقيام بالتفكير ، ومع ذلك نجد أن ديكارت يقول أننا لا يُمكن أن نُميّز بين اليقظة من الحُلم لأننا في الحُلم نفكر أيضاً ، بما يعني أنه عالم حقيقي ونحن في عالم الوجود كذلك ، فما المانع بحسب ديكارت أن حياتنا كلها عبارة عن حُلم ونحن نظن أننا مُستيقظون ، ولكن في الواقع إذا كانت أفكارنا تحدد وجودنا فإن هناك تناقض ما ، لأنه وفقاً لهذا الإعتقاد فإن الشخص إما أنه يعتقد أنه مُستيقظ و بالتالي يكون مُستيقظاً لأنه يعتقد ببساطة أنه مستيقظ ، أو العكس بالعكس ، أنه يعيش في حُلم لأنه يعتقد أنه يحلم ! أليس كذلك ، في الحقيقة قد حاول بعض الفلاسفة دحض فرضية ديكارت بالقول أنك لا يُمكن أن تواجه الألم في الأحلام وأنه ليس عالماً حقيقياً ! لا ، هذا ليس منطقاً على الإطلاق ، فحتى الدراسات العلمية الحديثة تُظهر أن الألم و الوجع يُمكن أن يحدث في الأحلام أيضاً وربما مررتم بذلك في أحلامكم ، ومن ضمن الذين خالفوا نظرية ديكارت كان الفيلسوف الأمريكي "إرنست سوسا" الذي قال : "في الحُلم نحن لسنا في عالم الواقع ، فنحن نعتقد فقط أنه واقع" ولكن أولئك الذين يختلفون مع بيان "سوسا" ويتفقون مع ديكارت يقولون أننا لا نستطيع تحديد ما إذا كان ما نراه في أحلامنا واقعاً أم لا ، فكذلك في اليقظة لا نستطيع أن نتأكد أننا في عالم الواقع وليس عالماً من الخيال رُسم في عقولنا ، ونحن لا نزال غير قادرين على معرفة ما إذا كُنّا مستيقظين أو نحلم حقاً .
عند هذه النقطة سوف أتوقف فقد أصبت بالدوار من هذه المسألة ولا أريد أن أناقشها أكثر من ذلك ، على الرغم من أن نظرية ديكارت لا تزال مفتوحة للتفسير و المناقشة ، والسؤال لا يزال دون إجابة ، كيف نعرف أننا لا نحلم ؟ إلى اللقاء .
Copyright©Temple Of Mystery
التعليقات
-
Ofee Albarase
انا اويد النظريه بقوة لهذا اتبهوا لما تجذبونه لنفسكم اذا كانت حلم فانها تعتمد علي افكار بدرجة الاوله
-
وسام
هذا موضوع سهل للغاية، لو كنت معاصرا لديكارت لأخبرته أن يسمح لي بضربه بشيء حديدي كلما شك في الواقع و اعتقد أنه حلم، حتى ينفي هذه الفكرة من ذهنه تماما، لأننا عند النوم يصنع لنا العقل مشاهد من الواقع تكون في الغالب غير متناسقة و يكون أيضا الكلام غير مفهوم، ولكن عند الإستيقاظ نعود إلى الوعي التام.
-
يزيد
موضوع رائع و وطالما قال هذا الكلام رينيه ديكارت فهو كلام مهم جدا ويجب النظر فيه ، شكرا لكم على المواضيع المتميزة
-
H A H
قد يكون الامر فيه بعض الضبابية فلسفيا لكن بشكل عام يمكن التفريق بين الحلم و الواقع نظريا علي الاقل علي سبيل المثال لنفترض ان شخصا تعرض الي حادث سير و اصيب بكسور عندما يحدث ذلك في الواقع و كلما استيقظت من النوم و مهما تنوعت الاحلام سيكون الثابت هو انك تعرضت الي حادث بينما في الاحلام ستكون في عدة حالات و العكس عندما تتحلم انك تعرضت الى حادث و تستيقظ ستجد ان ذلك حلم و ليس حقيقة و سيبقى ذلك مستمر بينما الاحلام تتغير حالتك و لا تثبت على حال واحدة و قس على ذلك مثل ان تتحلم انك توظفت في وظيفة معينة و في الواقع لم يحصل ذلك الذي يصبح واقعا باستمرار انك لم تتوظف في حين انك كلما تحلمت ستتغير احوالك بشكل مستمر
-
حسن داود
موضوعك ذكرني بمقولة الامام الشافعي : الناس نيام اذا ماتو أستيقظو
-
خالد
عبقري جدا والموضوع اكثر من مبهر
-
زينب المهدي
مشوق جدا
-
نوره
انا مؤمنه بان الحياه وهم وحلم مثلها مثل وهم الزمان اللتي ذكرها انشتاين والموت هو ماسيوقضنا من هذا الحلم
-
زهير الخلايله
فيلسوف عظيم لم تنجب الارض مثله
-
ياسين محمود النابلسي فلسطين
بصراحه هذا الموضوع يراودني وقد سمعت الدكتور عدنان ابراهيم يتحدث عن ذلك وان حياتنا ربما انها حلم ، شي بيجنن بصراحه
-
فواز الشهري
مواضيع رائعة جدا تحية لكم
-
هناء
الله يعطيك الصحة والعافية استاذ ،، موضوع في غاية الروعة
-
yazan albess
الناس نيام اذا ماتوا انتبهوا
-
حيدر النجف
قال امير المؤمنين علي عليه السلام الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا
-
جلال محمود
الحياة كلها غريبه من يعلم قد يكون مع الرجل حق !
-
ساره
موضووع جمييييل شكرااا
-
عبد الملك
بين العبقرية والجنون شعره
-
شادي
هههه الله اعلم فلسفة غريبة من ديكارت
-
عبد الرحمن
شكرا على الموضوع الجميل كالعادة
-
فاطمه
تخيلوا اننا نحلم ؟ والله احسن
-
هاله
ههههه معك حق استاذ انا كمان احترت شكرا على الموضوع الراااائع
-
مجدي
أنا دماغي لفت