• Search
  • Menu


نبّاش القبور

نهى بن صالح    أضيف بتاريخ : 2017-09-14 00:08:42    عدد الزيارات : 9803 زيارة


توقّف عن فعل كذا ، أو إفعل كذا و إلا "نعطيك طريحة نبّاش القبور" إنه التهديد الأكثر شُهرة الذي تستعمله الأمهات في تونس ، و معناه أنها سوف تضرب إبنها ضرباً مُبرحاً إن لم يطعها ، هذا التهديد يستعمله الكثيرون ، و دائما ما يدلّ على الضرب الشديد ، فنسمع "فلان أكل طريحة نبّاش القبور" و معناه أنه قد تعرض للضرب المبرّح ، فمن هو نبّاش القبور ؟ و هل حقاً هناك مخلوق يقوم بنبش القبور ؟ و لمَ إرتبط  ذكره في المعتقدات الشعبية التونسية بالضرب ؟ .

المُسميات و الصفات


أسطورة نبّاش القبور هي أسطورة قديمة منتشرة  في العديد من الدول العربية و تختلف مُسمياته باختلاف المناطق التي تؤمن بوجوده ، فسمّي بحفّار القبور أو نبّاش القبور وكذلك النمنم ، المخلوف ، السعلوة ، السبسب والدنجيرة ، وقد تعدّدت الأسماء و المقصود واحد ، وهو كائن أسطوري أرتبط  ذكره بالرعب و الخوف ، و لا أحد يعرف من هو أو ما هو نبّاش القبور بالتحديد ، فيقول البعض بأنه من البشر ، و هناك من يقول إنه من الجنّ ، فيمَ يعتقد آخرون بأنه حيوان ، و يذهب آخرون بمخيلاتهم التي تعدّت حد الأساطير إلى أبعد من ذلك فاعتبروا بأنه حيوان هجين صنعته بعض الدول لتستخدمه ضد دول أخرى ! و لكن لا أحد يعرف يقيناً ما هو هذا المخلوق ، حتى أنه لا أحد رآه و أعطى وصفاً مُحدداً له ، و من إدعوا أنهم شاهدوه يقولون أنهم لم يروا وجهه ، و لكن من يعتقدون بأنه حيوان يصفونه بأنه لا يخاف مثل بقية الحيوانات من البشر ، وأن شكله بين الكلب و الثعلب لونه أسود ، أذناه أّذنا ثعلب و قدماه الخلفيتان أكبر و أطول من قدميه الأماميتين ، ذكي جداً و سريع إلى حد أنه لا يُمكن لأحد اللحاق به ، و هناك من يدّعي أن أمّه من فصيلة الضباع و والده ذئب ، و يصفه البعض الآخر بأنه يشبه ذو القدم الكبيرة BIGFOOT ويداه أطول من قدميه و يكتسي جسده شعر كثيف و يقال أيضاً بأنه حيوان ناطق و يتكلم ، و آخرون يقولون أن له أربعة أرجل و هناك من يقول أن له قدمان و يدان ، و غيرهم يقول أنه يملك أربعة أرجل و يدان إثنتان وراء ظهره ، و آخرون يقولون بل له أربعة أرجل و أربعة أيدي خلف ظهره ، أما المُخيف في قصته أنه ينبش "قبور الموتى" و يأكل الجثث التي بداخلها ، و بحسب إدعاءات البعض ممن شاهدوه يقولون أنه عند قدومه يسمعون "رنين خلاخل" و حين يُخرج الميت من قبره يضعه على كتفه و يذهب به إلى مكان مجهول .

أصل الأسطورة

حمودة إلياس أحد المُهتمين بالمعتقدات الشعبية و الحكايات التونسية المنسية ، يقول بأن الإعتقاد السائد أن أسطورة نبّاش القبور ربما وصلت إلينا من الأقليات الأمازيغية في مصر ، و كذلك من دول الخليج أو من اليمن حيث أن المعتقدات الشعبية هناك تقول أن نبّاش القبور مخلوق يسكن الجبال و ينزل ليلاً لسرقة الجُثث من القبور الجديدة ، فهو بحسب إعتقادهم لا يأكل إلا الجُثث الطازجة ، أي أنه لا يحب الجُثث المتعفّنة ، لذلك يعتقد البعض أنه يأكل الجُثث التي لم يمضِ على دفنها أكثر من 10 أيام كحدّ أقصى ، و بعض المناطق الأخرى في اليمن يعتقدون بأنه يُمكن أن يأكل الجُثث التي مضى على دفنها 15 يوماً ، و فئة أخرى تعتقد أنه لا يأكل الجُثث كيفما إتفق ،  بل أنه يأكل فقط جُثث أصحاب برج الحمل ! الطريف أنه يتصف بالوقاحة فهو يتتبع الأشخاص الذين يرغب بأكل جُثثهم حتى يبقوا تحت مراقبته و لا يفقد آثارهم ، و بين الحين و الآخر يظهر لهم و يخبرهم بأنه سيأكل جُثثهم حالما يموتون ، و يقول البعض أنه قد يختطفهم و هم أحياء .

قصص عن نبّاش القبور

و في هذا السياق نورد قصة لفتاة من برج الحمل حيث تقول القصة بأن نبّاش القبور ذهب للقاء الفتاة و أخبرها بأنه ينتظر موتها ليأكل جثتها ، كانت الفتاة تراه في كل مكان تذهب إليه يرافقها أينما حلّت إلى أن تقدّم أحد الشبّان لخطبتها و تزوجت به بعد ذلك لتحمل لقب زوجها و منذ ذلك اليوم لم تعد تراه ،  و خوفاً من إنتهاك "نبّاش القبور" لحُرمة الأموات و تناول جثثهم يُقال أنه في بعض المناطق في اليمن يراقب أبناء الميت القبر لمدة ثلاثة أيام أو أكثر حسب معتقدات كل منطقة و يشعلون النيران و يسهرون على حراسة القبر ، و إن لم يكن للشخص المتوفى أبناء فإن مجموعة من أشجع رجال المنطقة يقع إختيارهم لحراسة ذلك القبر إلى أن يتأكدوا بأن نبّاش القبور لن يمسّ ميتهم ، و يقال بأنه في قرية مسجد النور و الجبل اليزيدي و قرية معينة في اليمن لا يزالون حتى هذا اليوم  يحرسون قبور الموتى  بعد الدفن لثلاثة أيام أو خمسة عشر يوماً خوفاً من نبّاش القبور ، هُنا تحدّثنا عن أصل الأسطورة وعرفنا أنها منتشرة في الدول العربية خاصة اليمن ، و لكن ذكرنا سابقاً أن الأسطورة قد تكون إنتقلت إلى تونس من صعيد مصر لإن الميثولوجيا المصرية و الفرعونية تحتوي على كتابات عديدة تتعلق بالموت و ما بعد الموت مثل كتاب الموتى و غيرها ، و ككل الأساطير تغيّرت هذه الأسطورة خلال تنقلها من بلد إلى آخر و من زمان إلى آخر بما في ذلك ما ورد عن المخلوق الأسطوري الذي يُدعى "السعلوة" أو "السعلاه" و هذا المخلوق مرتبط بانتهاك مقابر الفراعنة ، إذ يقال أنه يقتل كل شخص يحوم حولها و هذا ما يعرف "بلعنة الفراعنة" و من بين القصص التي تُروى في صعيد مصر أنه في زمن بعيد لاحظ رجل أن زوجته تختفي كل ليلة لتعود قُبيل الفجر وهي متسخة ، و حين كان يسألها " أين كنتِ ؟ " كانت تخترع في كل مرة حُجة لا تقنع صبياً صغيراً فتارة تقول أنها سقطت و هي تغادر الحمام و أخرى كانت تشرب فتعثّرت و وقعت ، لم يقتنع الزوج بمبرراتها  فقرر مراقبتها إلى أن خرجت ذات ليلة كعادتها فتبعها من فلاة إلى فلاة و من وادي إلى وادي حتى وصلت قرية مجاورة كانت أختها تقيم فيها و دخلت بيت أختها و اختبأ هو في الخارج يسترق السمع فإذا بأختها تقول لها "ادخلي ، ادخلي ، لم أتمكن من إخراج الميت من القبر" ردّت زوجته : " لا بأس ، نكسر رقبته ، ثم نقطعه قطعاً صغيرة و نخرجه" و في ذلك الحين تحولت الأختان إلى "سعلوتين" و ذهبتا إلى القبر المقصود و بدأتا في إخراج الميت و التهام جثته ، عند ذلك تمكّن الرعب من الزوج و فرّ هارباً إلى أن بلغ بيته فدخل و أغلق الأبواب و النوافذ ، و حين عادت زوجته أخبرها من وراء الباب عمّا رآه منها و من أختها ، فغضبت و احمرّت عيناها و قالت له : " لو لم تكن والد أبنائي لكنت الآن في عداد الأموات و لأكلت جثتك أنا و أختي" ثم رحلت و ذهبت لتحكي لأختها ما حصل ، و منذ ذلك اليوم لم يظهر لها اي أثر و يقال أنه و حتى هذا اليوم لديها أحفاد في صعيد مصر و يفتخرون بأن جدتهم كانت سعلوة ! .


في تونس نذكر نبّاش القبور ليس كمخلوق أسطوري أو وحش خرافي و لكن ذكره عندنا مرتبط دائماً بالضرب و العقاب ، فبعيداً عن الميثولوجيا و التاريخ لأنهما ليسا من إختصاصي ، فمن المعروف و المتداول أن المقابر التي تمّ نبشها و الإعتداء عليها هي مقابر "اليهود و النصارى" في تونس ، ذلك أنه حسب معتقداتهم الدينية لا يدفنون الميت في كفن فقط كما هو الحال مع الدين الإسلامي ، بل يلبسونهم أجمل الثياب و يضعون معهم أشياءهم الثمينة التي كانوا يحبونها و كانت لها مكانة غالية في حياتهم ، فربما كان نبّاش القبور خاصتنا أحد الأشخاص الذين إعتادوا نبش القبور لسرقة ما وُضِع مع الميت من أشياء ثمينة ، و لا بدّ أن سوء حظه أوقعه بين أيدي بعض الأشخاص الذين إكتشفوا جريمته و ضربوه ضرباً مُبرحاً لم ينل مثله أحد من قبله ، و منذ ذلك اليوم صاروا يهددوننا بضرب ليس كأي ضرب ، بل بضرب لم يذق مثله إلا نباش القبور ، و أصبح المثل في تونس "طريحة نباش القبور" فلو سمعت هذا التهديد يوماً و أنت تسير في أحد شوارع تونس فاركض بسرعة و غادر المكان .


أخيراً و كما إعتدت دائماً أن أبحث على تفسير منطقي لكل أسطورة فقد أقنعني التفسير التونسي نفسه ، فليس غريباً أن يكون نبّاش القبور شخصاً طبيعياً ، لكنه فقير قد دفعه فقره لنبش القبور و سرقة الأكفان أو المُمتلكات الثمينة المدفونة مع الميت ليبيعها و يقتات من ثمنها ، لكن العقل البشري لا يقبل بهذا ، فشخص قاس بهذا الشكل يقوم بهذا الفعل المُشين  لا يُمكن إلا أن يطلق عليه لقب "وحش" ومن ثم تم إختراع أسطورة نبّاش القبور لتفسير هذه الظاهرة .


بحث و إعداد : نهى بن صالح
Copyright©Temple Of Mystery

مصادر :
حمودة إلياس - مهتم بالأساطير التونسية
حكايات تونسية منسية

موضوع متعلق ..
النعوشة

التعليقات

  • قاهر 1

    نعم عندنا في اليمن .. اتذكر كنت اسمع انه ياكل جثث اشخاص من برج الحمل وعندما يموت شخص من برج الحمل يقوم احد اقاربه بحراسة القبر ليلا" ونهارا لعدة ايام .. لاكني اعتقد ان هذاء كان يحدث قديما" قبل حوالي ١٠٠ سنه لاني لم ارى هذه الظاهره .. فقط اخر مره سمعتها وا بسن ٥ سنوات وذالك قبل ٢٠ سنه

  • هاله الحسيني - فلسطين

    موضوع رائع جدا، تحياتنا لكم .

  • بلال سعيد

    موضوع رائع شكرا استاذه نهى نريد المزيد عن الاساطير العربية

  • سارة

    انا اول مره اسمع عن نباش القبور

  • عبد الرحمن

    مشوق

  • عبايدة

    موضوع جميل لتسليط الضوء عليه

  • علي محمود الازهري

    شكرا لك استاذه نهى على الموضوع الشيق

  • خالد

    أسطورة غريبة ومع اني عربي لاول مرة اسمع فيها

  • حسن علي

    موضوع جميل ورائع

أضف تعليقك


من فضلك أدخل الاسم

من فضلك ادخل نص التعليق